______________________________________________________
ولما كان الاسم في الإعراب أصلا للفعل كانت عوامله أصلا لعوامله ، فقيل : رافع الاسم وناصبه أن يفرع عليهما لاستقلالهما بالعمل وعدم تعلقهما بعامل آخر. بخلاف عامل الجر فإنه غير مستقل لافتقاره إلى ما يتعلق به من فعل أو ما يقوم مقامه ، فموضع المجرور نصب بما يتعلق به الجار. ولذلك إذا حذف الجار نصب معموله وإذا عطف على المجرور جاز نصب المعطوف وربما اختير النصب. فشارك المضارع الاسم في الرفع والنصب لقوة عامليهما بالاستقلال وإمكان التفريع عليهما ، وضعف عامل الجر لعدم استقلاله عن تفريع غيره عليه ، فانفرد به الاسم وجعل جزم الفعل عوضا عما فاته من المشاركة في الجر ، وانفرد به ليكون لكل واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه من الإعراب بتعادل ، وذلك أن الجزم راجح باستغناء عامله عن تعلق غيره والجر راجح بكونه ثبوتيّا ؛ بخلاف الجزم فإنه حذف حركة أو حرف فتعادلا». هذا كلام المصنف وهو جيد (١).
ولما كانت العوضية في الفعل غير متحققة ، قال : كالعوض من الجر ، ولم يقل عوضا من الجر ، وفي جعل الجزم في الفعل كالعوض من الجر [١ / ٦١] استغناء عن ذكر علة عدم دخوله في الاسم.
وقد ذكر لعدم دخول الجر في الفعل تعليل حسن وهو : أن الرفع في الأسماء وجد أصلا في بعضها وفرعا في بعضها وكذلك النصب بخلاف الجر فإنه أصل في المجرور جميعه (٢) ؛ فلما وجدت فرعية كل من الرفع والنصب فيما هو مستحق للإعراب بطريق الأصالة ، وكان إعراب الفعل فرعا أمكن دخولهما في الفعل.
ولما لم توجد في الجر فرعية في الاسم لم يجز أن يفرع الفعل على الاسم. ثم أتى ـ
__________________
(١) انظر : شرح التسهيل (١ / ٤٢).
(٢) في شرح ذلك يقول الزمخشري «الرّفع والنّصب والجرّ علم على معنى فالرفع علم الفاعليّة والفاعل واحد ليس إلّا ، وأمّا المبتدأ وخبره وخبر إنّ وأخواتها ولا الّتي لنفي الجنس واسم ما ولا المشبّهين بليس فملحقات بالفاعل على سبيل التّشبيه والتّقريب ، وكذلك النصب علم المفعوليّة والمفعول خمسة أضرب : المفعول المطلق والمفعول به والمفعول فيه والمفعول معه والمفعول لأجله ، وأمّا الحال والتمييز والمستثنى المنصوب والخبر في باب كان والاسم في باب إنّ والمنصوب بلا التي لنفي الجنس وخبر ما ولا المشبهتين بليس فملحقات بالمفعول والجرّ علم الإضافة». انظر المفصل للزمخشري (ص ١٨) طبعة بيروت ، دار الجيل.