______________________________________________________
الصفار من أن الحصر إنما يتبين بالقرائن ، لما أوجب النحاة تأخير المحصور بها ؛ لكنهم أوجبوا تأخير الفاعل إذا قصد حصره ، وكذلك تأخير المفعول أيضا ؛ فدل على أنهم لم يكتفوا بالقرائن.
وأما قول ابن عصفور : إنه لو كان من مواضع الانفصال لما جاء متصلا ، وقد قالت العرب : إنما أدافع عن أحسابهم فغير ظاهر ؛ لأن قائل هذا الكلام لم يقصد حصر الفاعل ، والفصل إنما يجب مع قصد الحصر ، وإنما قصد هذا المتكلم حصر المتعلق بالفعل ، أي : لا أدافع إلا عن أحسابهم لا عن شيء آخر.
أما كون غيره لا يدافع فلم يتعرض إليه. والظاهر أن الجماعة إنما حكموا بأن مذهب سيبويه أن الفصل ضرورة بقوله (١) : «هذا باب ما يجوز في الشّعر من إيّا ، ولا يجوز في الكلام ، فمن ذلك قول حميد الأرقط (٢) :
٢٤٥ ـ [أتتك عنس تقطع الأراكا] |
|
إليك حتّى بلغت إيّاكا (٣) |
وقال آخر :
٢٤٦ ـ كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (٤)
__________________
(١) انظر نص ذلك في الكتاب : (٢ / ٣٦٢).
(٢) سبقت ترجمته في هذا التحقيق.
(٣) البيتان من الرجز المشطور ، قائلهما حميد بن مالك الأرقط كما هنا وكما في مراجعهما ، وهما في الوصف والمدح.
اللغة : العنس : بفتح العين وسكون النون هي الناقة القوية. تقطع الأراكا : أي تقطع الأرض التي تنبت الأراك وهو شجر يستاك به.
والمعنى : جاءتك إبلنا مجهدة فلا تحرمها من عطائك وأنت كريم أيها الممدوح.
وشاهده : وضع الضمير المنفصل مكان المتصل في قوله : حتّى بلغت إيّاك.
قال ابن يعيش : وكان أبو إسحاق الزجّاج يقول : تقديره : حتّى بلغتك إيّاك ، وهذا التقدير لا يخرجه عن الضّرورة سواء أراد له التأكيد أو البدل ؛ لأن حذف المؤكّد أو المبدل منه ضرورة (شرح المفصل : ٣ / ١٠٢). والبيت في معجم الشواهد (ص ٥١٢) ، وفي شرح التسهيل (١ / ١٤٩) ، وكذلك هو في التذييل والتكميل (٢ / ٢١٩).
(٤) البيت سبق الاستشهاد به والحديث عنه ، وقد استشهد به هناك على وجوب فصل الضمير لوقوعه بعد إنما ، وهنا استشهد به على أن هذا الفصل ضرورة. وتأويل ذلك كله مذكور في الشرح بعد البيت ، قال ناظر الجيش بعد هذا التأويل : وهو محمل جيد.