______________________________________________________
يشكو بثّي وحزني إلى الله أنا (١) ، وإنّما يعظكم بواحدة أنا ، وإنّما أمر أن يعبد ربّ هذه البلدة أنا ، وإنّما يوفّى أجوركم أنتم» انتهى (٢).
ويا لله التعجب من الشيخ ، جهّل المصنف وخطّأه وقوّله ما لم يقل ، واعتقد فيه أنه يمنع من جواز ما لم يتوهم بشر منعه. لم يقل إن إنما لا يقع بعدها الضمير إلا منفصلا فيرد عليه بوقوعه متصلا ، إنما قال : إن الضمير المحصور بإنما يجب انفصاله ، فكيف يرد عليه بما لم يقصد فيه حصر الضمير.
أما الآيات الكريمة التي رد بها الشيخ على المصنف ، فلم يقصد في شيء منها حصر الفاعل ، إنما قصد حصر متعلق الفعل ؛ فمعنى الآية الأولى «لا أشكو بثي وحزني إلا إلى الله» أي لا أشكو إلى غيره (٣). ومعنى الآية الثانية «لا أعظكم إلا بواحدة» أي لا أعظكم بغيرها ، ومعنى الآية الثالثة «ما أمرت إلا أن أعبد رب هذه البلدة» ، ومعنى الآية الرابعة «لا توفون أجوركم إلا يوم القيامة» ، وهذا واضح ، ولا أعرف كيف خفي هذا على الشيخ رحمهالله تعالى.
البحث الثاني :
ما ذكره المصنف هنا من تعين انفصال الضمير إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها ، هو مذهب البصريين ، ولم يوجب الكوفيون الإبراز إلا عند خوف اللبس (٤) ، واختار المصنف في باب المبتدأ مذهبهم ؛ فإطلاقه القول هنا بوجوب الانفصال إما للاتكال منه على ما ذكر في باب المبتدأ فيقيد به هذا الإطلاق ، وإما لأنه جرى هنا على مذهب البصريين ، ثم نبه على مختاره في باب المبتدأ (٥). ـ
__________________
(١) في نسخة (ب): «إنما أشكو ، وإنما أعظكم ، وإنما أمرت أن أعبد ، وإنما توفون» والذي أثبتناه من الأصل وهو الصحيح ، حتى يظهر الحصر المقصود في الكلام. وكذلك هو في شرح أبي حيان.
(٢) التذييل والتكميل (٢ / ٢٢١).
(٣) في تفسير الكشاف (٢ / ٣٣٩) قال الزمخشري : «ومعنى إنّما أشكو أي إني لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم ، إنّما أشكو إلى ربّي داعيا له وملتجئا إليه بشكايتي».
(٤) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (١ / ٥٨) وما بعدها ، ومن أمثلتها من الكلام : هند زيد ضاربته هي ، ومن الشعر قول ذي الرمة : غيلان ميّة مشغوف بها هو ... إلخ.
(٥) انظر شرح التسهيل لابن مالك (١ / ٣٠٧ ، ٣٠٨) (تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، ود / المختون) يقول في الحديث عن الخبر عند جريانه على غير من هو له : «والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللّبس عند