______________________________________________________
قلت : لم يكن المصنف ليحتاج إلى الاعتذار عن تقدم الكاف على الياء في عليكني ؛ وذلك أن الكلام إنما هو في ضميرين قد سلط عليهما عامل واحد ، ولا شك أن على وإن عمل في الكاف ـ ليس عاملا في الياء ، بل لما عمل في الكاف جعل المجموع من الجار والمجرور عاملا في الياء ، فلا يقال إن الكاف تقدمت على الياء.
وأيضا فإنما يقال بتقدم واحد من الضميرين على آخر ، حيث يتصور تقدم ذلك الآخر عليه ، وها هنا لا يتصور تقدم الياء على الكاف ، أعني في عليكني ونحوه.
وأما لفظ عثمان رضياللهعنه فعنه احترز بقوله : في غير ندور. وهذا الاحتراز ليس بجيد ؛ فإنه لو قدم ضمير المتكلم في هذا الكلام على ضمير الغيبة ، لانعكس المراد من مقصود المتكلم كما تقدم ، وإنما الواجب أن كان يؤتى بالضمير الثاني منفصلا ، فيقال : أراهم إياي. فالشذوذ إنما هو في الإتيان بالضمير متصلا لا في تقدم ضمير الغيبة على ضمير المتكلم.
وأشار المصنف بقوله : وشذ إلّاك فلا يقاس عليه ـ إلى قول الشاعر :
٢٤٨ ـ وما نبالي إذا ما كنت جارتنا |
|
ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (١) |
قال : «فالأكثرون على أن الاتصال فيه لم يستبح إلا لضرورة ؛ لأنّ حقّ الضّمير بعد إلا الانفصال اعتبارا بأن إلا غير عاملة ، ومن حكم على إلا بأنها عاملة (٢) لم يعدّ هذا من الضرورات ، بل جعله مراجعة لأصل متروك ، ويعتذر عن مثل : قاموا إلا إيّاك ، بكون الاستعمال استمر بالانفصال ، والأولى به الاتصال».
__________________
(١) البيت من بحر البسيط قال عنه صاحب الخزانة (٥ / ٣٨٠) :
«وهذا البيت قلّما خلا منه كتاب نحويّ ، والله أعلم بقائله».
اللغة : نبالي : نهتم ونكترث وأكثر استعمالاته في النفي. ديّار : أحد ، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام ووزنه فيعال وأصله ديوار من الدار.
واستشهدوا به على شذوذ وقوع الضمير المتصل بعد إلا. وخرجه آخرون على أن الرواية : ألا يجاورنا سواك ، أو ألا يجاورنا حاشاك ، كما أجاز ابن الأنباري وقوع المنفصل بعد إلا.
اقرأ ذلك كله في مراجع البيت الكثيرة المذكورة في معجم الشواهد (ص ١٦٤) ، والبيت أيضا في شرح التسهيل (١ / ١٥٢) ، وفي التذييل والتكميل (٢ / ٢٣٣).
(٢) هم بعض الكوفيين والمبرد والزجاج من البصريين ذهبوا إلى أن العامل في المستثنى هو إلا ، وذهب البصريون إلى أن العامل فيه هو الفعل أو معناه بواسطة إلا. انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (١ / ٣٥٨).