______________________________________________________
دليلنا على ذلك من وجهين :
أحدهما : أن المشار إليه ضمير [١ / ١٦٧] منصوب بفعل لا حاجز له إلا ما هو كجزء منه ؛ فأشبه مفعولا لم يحجزه من الفعل إلا الفاعل ، فوجب له من الاتصال ما وجب للمفعول الأول ؛ فإن لم يساوه في وجوب الاتصال فلا أقل من كون اتصاله راجحا.
الوجه الثاني : أن الوجهين مسموعان فاشتركا في الجواز إلا أن الاتصال ثابت في النثر والنظم. والانفصال لم يثبت في غير استثناء إلا في نظم ؛ فرجح الاتصال لأنه أكثر في الاستعمال.
ومن الوارد منه متصلا في النظم دون ضرورة قول الشاعر :
٢٥٤ ـ كم ليث اغترّبي ذا أشبل غرثت |
|
فكانني أعظم اللّيثين إقداما (١) |
فقال : كانني مع تمكنه من أن يقول فكنته أعظم الليثين ، على جعل أعظم بدلا من الضمير ومفسرا له (٢) كما قالوا : اللهمّ صلّ عليه الرّؤوف الرّحيم. ـ
__________________
ولم تستحكم هذه الحروف ها هنا ، لا تقول كانني وليسني ولا كانك فصارت إيّا هاهنا بمنزلتها في ضربي إيّاك. وتقول : أتوني ليس إيّاك ، ولا يكون إيّاك ؛ لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء ها هنا ؛ فصارت إيّا بدلا من الكاف والهاء في هذا الموضع». ثم قال : «وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون : ليسني وكذلك كانني».
(١) البيت من بحر البسيط ، لم يرد في معجم الشواهد ، ولم أعثر على قائله في مراجعه ، وهو في الفخر بالشجاعة والقوة.
اللغة : اغترّ بي : أي ظن ضعفي وقوته ، وروي مكانه : اعتن بي أي اعترض طريقي. ذا أشبل. جمع شبل ، وهو ابن الأسد ، ونصب ذا على التعظيم. غرثت : جاعت ، وذلك أدعى لقوة الأسد وبأسه.
فكانني : أي فكان هو أنا ، أي كنا عظماء وكنت أعظم منه ، بدليل الإبدال بعده. إقداما : شجاعة وقوة.
والبيت يستشهد به ابن مالك على أن الاتصال في كنته أرجح. والبيت في شرح التسهيل (١ / ١٥٤) ، وفي التذييل والتكميل (١ / ٢٣٠) ، (٢ / ٢٤٠).
(٢) قال أبو حيان : «لو لا أن سيبويه نقل جواز الاتصال قليلا ، لكان هذا البيت يدّعى فيه أنه ضرورة ؛ لأنه لا يتزن إلا كذا ، وأما قول المصنف : إنه متمكن من أن يقول : فكنته أعظم ، فكل ضرورة هكذا يمكن أن يبدّل بها الشاعر لفظا آخر لا يكون ضرورة. وليس حكم الضرورة في اصطلاح النحاة هذا الذي ذكره».
«وأما قوله : فكنته أعظم ، وجعل أعظم بدلا من الضمير ومفسرا له ، فهذه مسألة خلاف ، والجمهور لا يجيزون أن يكون البدل مفسرا للضّمير» التذييل والتكميل (٢ / ٢٤٤).