وطواف وتلاوة وأذكار ، ونحو ذلك ، فقليلا ما يجدون فسحة من أنفسهم لغير ذلك.
وممن اجتمعنا بهم من أهل مكة المشرفة ، رئيس السدنة الحالي الشيخ محمد ابن محمد صالح بن أحمد بن محمد زين العابدين الشيبي ، المتولى رئاسة السدنة في اليوم الحادي عشر من شهر رمضان سنة ١٣٥١ ، وهو من الأشيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي الثابت نسبهم ، المعروفون أنهم سدنة الكعبة المعظمة ، جاهلية وإسلاما ، من عهد عبد الدار بن قصي ، إلى عهد شيبة بن عثمان إلى هذا العصر ، وبيتهم من أشراف بيوت قريش ، ووظيفتهم من أعظم الوظائف الإسلامية ، ولا يزال وجودهم من معجزات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لقوله : «خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» (٢٧٩). فبقاء آل شيبة ، وخلود سدانة الكعبة المعظمة بأيديهم ، مع تبادل الولاة والحكام ، وطول الزمان ، من عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الآن ، لا شك ولا مريّة أن ذلك من أعظم معجزات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله تعالى حفظ هذه العائلة الكريمة كما حفظ بيته الحرام من تعدّ المعتدين ، وسيحفظهما بمشيئته تعالى إلى يوم القيامة.
وكان رئيس السدنة الشيخ محمد المذكور صاحب آداب وسكينة ووقار وأخلاق حسنة ، وقد التقى مع سيادة الشيخ مربيه ربه ، في حجته في العام الماضي ، وأظهر له الخصوصية ، والتمس منه البركة وكذلك فعل معه في مقدمنا هذا ، ومع سائر وفدنا وكان يفتح الكعبة في يوم معين أو يومين في كل جمعة ، فتدخلها الناس للتبرك والتيامن وامتثال السنة ، وكان إذا فتحها ، ورأى أحدا من وفدنا ، يقدمه على غيره في الدخول ، ويظهر له الاعتناء ، ولا يقبل أن يأخذ منه شيئا ، كما يأخذه من الداخلين غيرنا على حسب مراتبهم ، وقد صادفتها يوم فتحها بعد ما كنت أطوف وسادنها المذكور عند بابها جالس على سلم منصوب هناك يرقى معه إلى الباب ، لأن الباب مرتفع على الأرض نحو أربعة أذرع ، ورأيت سيدنا الشيخ مربيه ربه داخل الباب جالسا ، وبإزائه أخوه الشيخ محمد الإمام ، فأشار إلى سيدنا الشيخ أن اصعد ، ونبّه
__________________
(٢٧٩) مختصر المقاصد الحسنة ، حديث رقم ٤٠٣.