خروجنا من مكة المشرفة للحج وكيفية حجنا
ثم لما كان يوم التروية ، وهو يوم الأحد الثامن من ذي الحجة ، اغتسلنا ، ولبسنا ثياب الإحرام ، وأحرمنا بالحج في مكة المشرفة مع حجاجها ، وخرجنا منها لما ارتفع النهار بعد ما جعلنا آخر عهدنا بها الطواف بالبيت متوجهين منى ، فوصلناها حين زالت الشمس ، فصلينا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، كما هو السنة ، ثم بتنا بها في قباب وجدنا المطوف هيأها لنزولنا هناك ، ثم لما طلعت الشمس في اليوم التاسع ، وهو يوم عرفة يوم الإثنين ، سرنا متوجهين جبل عرفات ، فوصلناه قيلولة يومنا ، ووجدنا قبابا هناك هيأنا المطوّف لنا أيضا ، فدخلناها حتى بلغ أول وقت الظهر ، اغتسلنا اغتسالا خفيفا للوقوف بعرفات كما ذلك هو سنة هذا الغسل ، فجمعنا الظهر والعصر بمسجد نمرة ، ولم نر الخطيب ، ولم نسمع صوته لكثرة الازدحام ، ثم وقفنا بعرفات عند الصخرة التي كان يقف عندها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما أخبرنا أهل الخبرة من أهل البلدة بذلك ، مستقبلين القبلة ، وعندما وقفنا صب الله مطرا غزيرا حتى غسل أبدان الواقفين ولباسهم ، فتيامنا به لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما من قوم مطروا إلا وقد رحموا» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ، اللهم نقّني من الذنوب والخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدّنس». ويقول الشاعر :
[البسيط]
جاءوا بأحمال أوزار تئودهم |
|
منها جبال وحسن الظنّ وطّاها |
فسال لّما رأى الرحمان ذلّتهم |
|
طوفان عفو وغفران فغطّاها |
نرجوه تعالى أن ينقينا من الخطايا الباطنة والظاهرة ، وأن يعمنا برحمته الواسعة في الدنيا والآخرة ، ولم يزل المطر ، والناس واقفون في دعاء وابتهال وخشوع وأذكار واستغفار وخضوع ، ملوكهم في مقام الافتقار والذّلة ، وفقراؤهم في محل الاضطرار والقلة ، فكم دموع تدفقت ، وكم ضلوع تحرقت ، وكم نسمات هبات هبت ، وكم