سحاب رحمات صبت ، والجميع يرغبون المغفرة من الغفار ويرجون الستر والعفو من العفو الستار. والتقتّ إليّ سيدنا الشيخ مربيه ربه في هذا الموقف ، وقد خنقته العبرات ، وترادفت عليه من الخشية الزفرات ، وقال لي : يروى أن رجلا وقف بعرفات ، فقال الحمد لله على نعمة الإسلام ، وكفى بها من نعمة ، فلما كان العام القابل ، وقف بعرفات أيضا وقال الكلمات ، فناداه هاتف ، على رسلك ، فمن عام أول ونحن نكتب لك ثواب قولها ، وما فرغنا منه ، فقلتها بحمد الله في ذلك الموقف ، جزاه الله عنا أحسن جزائه. فلما دنت الشمس للغروب ، انشقت السحائب ، وغربت الشمس نقية ، فلبثنا هنيئة بعد الغروب ، فنفرنا بفيضين ، وانصرفنا بين المازمين آمين المصلى بمزدلفة ، فوصلناها بعد مغيب الشفق ، فجمعنا بها بين العشائين وتفرق وفدنا لكثرة الاختلاط والازدحام ، وبتنا هناك حتى أسفر الفجر على وجه القرض ، وأدينا من صلاة الصبح الحق المفترض ، وقفنا عند المشعر الحرام إلى الإسفار منكبين على الدعاء وحميد الأذكار والاستغفار ، فافضنا حتى وصلنا بطن محسّر ، وهو وادي النار أسرعنا والإسراع فيه مشروع ذهابا وإيابا ، فمضينا كما نحن على الطريق إلى أن وصلنا جمرة العقبة وقت الشروق ، فرمينا بها سبع حصيات من أسفلها مكبرين مع كل حصاة ، ثم رجعنا لرحالنا ، فذبحنا الهدايا ، وقد كنا أوقفناها بعرفات ، ثم حلقنا ، وسرنا من ساعتنا لمكة المشرفة ، ولم نزل لابسين ثياب الإحرام لا ستحبابها ، وإن كان التحلل الأصغر يقع بعد رمي جمرة العقبة ، فوصلنا مكة لما ارتفع النهار ، فطفنا طواف الإفاضة ، ثم سعينا بين الصفا والمروة ، ثم حلقنا فنزعنا لباس الإحرام ، فأحللنا التحلل الأكبر ، ثم رجعنا إلى منى فصلينا بها الظهر يوم النحر ، وهو يوم الثلاثاء ، في مسجد الخيف ، وهو الذي نزلت عليه صلىاللهعليهوسلم فيه سورة «والمرسلات» ، كما حدثنا بذلك بعض علماء البلد ، ثم رجعنا للقباب المعدّة لنا هناك ، فأصابني يومئذ مرض شديد بقية اليوم وبتّ كذلك وأصبحت إلى وقت الظهر ، مع أني في كثير من لطف الله أحمده عليه ، فلما زالت الشمس رجوت من فضله تعالى أن لا يعجزني عن بقية مناسكي ، فمن فضله تعالى حسست بالراحة ، فتوضّأت ، ووقفت بمشقة ، واستندت على سيدي بوي بن الشيخ حسنّ ، بل كأنه يحملني أولا ، وكلما خطوت بحمد الله يخف مرضي ، فما وصلت الجمار ، حتى