الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشّقّ الآخر ينظر حتى بطن محشر ، فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة منها مثل حصى الخزف ، وهي من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليا ، فنحر ما غير ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كلّ بدنة ببضعة ، فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب ، فلو لا أن يغلبكم الناس على سقايتكم ، لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه (٢٥١)». وسقنا الحديث بطوله لما اشتمل عليه من العلم.
مقدمنا لجدة وبعض من لقينا فيها
ثم لما كان وقت الضحى من يوم الجمعة المذكور رست الباخرة بنا عند جدة ، وهي ثغر الحجاز على البحر الأحمر ، فاشتغل الناس بالنزول إليها ، ونزلنا وقت العصر من اليوم المذكور ، وكان نزولنا عند الشيخ صالح بنأجمجوم ، وهو رجل ذو كرم وأخلاق حسنة واعتناء بالحجاج ولا سيما بالوارد منهم من قطر شنقيط ، وعليه سيم الخير ، فرحّب بنا وأكرنا فلما كان وقت العشاء ليلة السبت الأخيرة من ذي القعدة ، دعانا ولد المطوّف الذي عيناه [للصحبة أيام الحج](٢٥٢) ، واسم المطوف الشيخ عبد الله الكردي ، وكان رجلا له مشاركة في العلم وأدب كبير ، وكرم شهير ، واسم ولده الذي دعانا أحمد (٢٥٣) ، وكان شابا ظريفا أديبا. ومن عادة أهل الحرم أن المطوف أو نائبه يتلقّى لفرقته من الحجاج بجدة ، ويتولى شؤونهم ، وهم يدفعون له ما ينوبهم من لوازم تلك البلاد ، فسرنا مع ولد المطوف المذكور لداره في جدة ، فأحسن علينا وبالغ في
__________________
(٢٥١) صحيح مسلم مع شرحه ، المجلد الثالث ص ٢٣٩ ، دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان ، د. ت.
(٢٥٢): «ب» ، و، ٦٣.
(٢٥٣) أحمد : محمد في «ب» ، ٣٦.