يضيق به متسع الفضاء ، وكذلك يسعه المطاف ، فتطوف الألوف العديدة في ساعة واحدة ولا ترى أحدا يثنيه عن الطواف ازدحام الناس فيه ، ثم تشرب من ماء زمزم كذلك ، وتسعى بين الصفا والمروة كذلك ، ومنها جباية الأرزاق إلى مكة ، وهي بواد غير ذي زرع ، وما من فاكهة ولا طعام ولا ثمرة إلا وهي مشحونة منها في كل وقت. ومنها أن ماء الحمل لا يدخل الحرم على كثرة الأمطار وغزارتها ، ومنها دلالة عموم المطر إياه من جميع جوانبه على خصب آفاق الأرض ، فإن كان المطر من جانب أخصب الأفق الذي يليه ، إلى غير ذلك مما لا يحصى ، فاستحسن الشيخ ـ أدام الله حياته ـ جوابي له ، وتعجب مما ذكرت ، وقال الحمد لله الذي أنعم عليكم بمشاهدة ذلك عيانا ، تقبل منا ومنكم الأعمال ، وأصلح بنا ولكم الأحوال والمئال.
توديع جامع الرحلة لمن من الأهلين بالطرفاية
وركوبه ونزوله عند أهله بحمد الله في الطنطان
ثم بتنا ليلة الإثنين ، وأقمنا يومها بالطرفاية في دار الأستاذ الشيخ مربيه ربه مع من هناك من الأقرباء والأهلين ، فلما كانت صبيحة يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من المحرم ، اجتمعنا ـ وفد الحجاج ـ عند الإمام الشيخ مربيه ربه مع أخويه المذكورين ومن هناك من الأهالي ، واشتركنا الدعاء ، وتوادعنا ليسير كل منا لموضعه ، ويبقى في الطرفاية من أهله بها ، فركب جامع الرحلة ما العينين بن العتيق تلك الصبيحة الطيارة ، ونزلنا وقت ارتفاع النهار يقرية الطنطان عند أهلنا هناك. وتلقى لنا سيادة الشيخ عبدات (٧٦) بن شيخنا الشيخ ماء العينين ومن هناك من الأحبة والقرابة وسائر أهل القرية ، مهنئين ، مستبشرين ، فرحين برجوعنا ـ بحمد الله ـ سالمين غانمين ، والحمد لله على ما أكرمنا به من تأدية مفروضية حج بيته المحرم ، وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعلى منته علينا برجوعنا لأهلينا بسلامة ، وعلى ما أظهر فينا لشيخنا ماء العينين من دوام الكرامة.
__________________
(٧٦) سبقت ترجمته.