إكرامنا. وأقمنا بجدة يوم السبت ، ودعانا في هذا اليوم ، الفقيه الشريف السيد عبد العزيز بن أبي القاسم الدباغ المتقدم ذكره ، أنه ممن زارنا بتطوان إلى داره بجدة ، فسار إليه الشيخ محمد الإمام وجامعه وبعض وفدنا ، فوجدنا عنده الشريف الأديب السيد محمد الباقر بن شيخ التربية العلامة الشهير سيد محمد بن الشيخ الكبير الكتاني ، ومعه بعض الأعيان من فاس وغيرهم ، منهم مولاي عبد السلام بن مولاي حماد الإدريسي الزرهوني ، وسيد محمد بن عبد الحفيظ الكتاني ، فبالغ في إكرامنا ، ولم يقصّر في إعظامنا ، وكان مجلسنا عنده مجلس سكينة ووقار ، تناشدنا فيه ما يناسب الحال من الأشعار ، وتذاكرنا فيه المذاكرة العلمية وتعاطينا فيه كؤوس المعارف الفهمية ، وكلّ منا هنأ أصحابه بالوصول ، ورجونا منه تعالى الحج المقبول.
ثم لما كان بعد العشاء ليلة الأحد افتتاح ذي الحجة الحرام ، ركبنا في السيارة بقصد مكة المشرفة ، فلم نبعد ، وبتنا في بعض المحلات دونها ، وركبنا بعد صلاة الصبح وقت الإسفار ، فأتينا بئر ذي طوى بعد طلوع الشمس ، فاغتسلنا منها غسلا خفيفا كما هو سنة المحرم لدخول مكة ، نرجو به منه تعالى تخليصنا من أسر الذنوب وفكه.
دخولنا مكة المشرفة
ثم سرنا من ذى طوى على الأقدام لندخل مكة من حيث كان يدخلها عليهالسلام : فسلكنا طريقة الثنية العليا ، وهي المسماة بكداء ، بالفتح ، ومنها يتشرف على مقبرة مكة المسماة بالحجون ، وهي إحدى المقابر التي تضيء لأهل السماء ، كما تضيء الكواكب لأهل الأرض ، كما ورد في الأحاديث ، فدخلنا مكة المشرفة بمسرات وأفراح ، لم تغادر في الحشا أثر أحزان وأتراح ، ضحى يوم الأحد فاتح ذي القعدة الحرام ، واثقين منه تعالى نيل كل مرام ، فقصدنا المسجد الشريف الحرام ، ودخلناه بحمد الله من باب بني شيبة من باب السلام ، فشاهدنا البيت العتيق ، وقد تدلت أستاره ، وأشرقت أضواء منظره وأنواره ، فلما ابتهجت بشهوده وقرت أبصارنا ، وانشرحت بمشهده صدورنا وأسرارنا ، قطعنا ما كنا فيه من التلبية ، وقرأناه الوارد