مطلب ذكر بعض أحوال أهل البلد والذين بمكة والمدينة
وقد كانت بين المدينة المنورة ومكة المشرفة مناخات ومحلات معدة للاستراحة وللأكل والشرب لمن شاء ذلك من الحجاج ، وربما استرحنا في بعضها ، وأكثر من يعمر تلك المحلات أهل البدو ، وهم الأعراب المتوطنون الحرم الشرف ، وجلهم عاميون ، لا معرفة لهم بالعلم ، بل عامّ فيهم الجهل ، إلا أن اللسان الربي سجية فيهم ، فيتكلمون به عن فصاحة كثيرا بالطبيعة رجالا ونساء وصبيانا ، فمن ذلك أني سألت في بعض المحلات صبيا صغيرا عن بئر بإزائنا ، وحذاءها آبار أخر ، ما اسمها فقال لي : أيّة بئر ، بهذا اللفظ ، فتعجبت من تأنيثه للبئر وإلحاقه تاء التأنيث بأية ، وذلك مخالف لما عليه أهل اللغة الدّارجة اليوم ، لأنهم يذكرون البير ، ولا يلحقون التاء بأي في التأنيث ، وإنما تكلم الصبيّ باللغة الفصحى على الطبيعة. قال تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)(٣٠٢) وقال الشاعر :
[الطويل]
بأي كتاب أم بأيّة سنّة |
|
ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب |
وهذا نمط كلامهم غالبا. وأحوالهم في لباسهم ، وإكرامهم للأضياف وكسبهم للأنعام قريبة من حال بلادنا وبواديهم في أرض الشناجطة ، إلا أن بوادينا فيها الزوايا (٣٠٣) الكثيرون المعتنون بالعلم ، وعلماؤها مشهورون ، وقلما تفارقهم المدارس المشحونة بطلبة العلم ، وبلاد المشارقة ليس أهلها كذلك ، وإنما يعتني بالعلم في بلاد المشارقة أهل الحاضرة فقط ، فأهل بواديهم يشبهون حسان (٣٠٤) واللحمة (٣٠٥) من أهل
__________________
(٣٠٢) سورة الحج ، آية ٥٤.
(٣٠٣) الزوايا : تجمع قبلي صحراوي يختص بالعلم والتربية مثل ، إداو علي وتشمشة ، وغيرهما.
(٣٠٤) حسان : تجمع قبلي صحراوي يختص بحمل السلاح.
(٣٠٥) اللحمة : تجمع قبلي صحراوي يختص بتنمية الموارد الاقتصادية.