بحفر الآبار ، وتأمين التّجار ، واتخذوا طبل الرّحيل (١) ، وراية التّقدم (٢) عند المسير. وكان ولد يحيى ، الذي (٣) كان أحدهم أبو بكر ، خمسة رجال ، فعقدوا الشّركة بينهم فيما ملكوه (٤) وفيما يملكونه على السواء بينهم والاعتدال ، وكان (٥) أبو بكر ومحمد ، وهما أرومتا نسبي من جميع جهات الأم والأب (٦) بتلمسان ، وعبد الرحمن وهو شقيقهما الأكبر بسجلماسة ، وعبد الواحد وعلي ، وهما شقيقاهم الصغيران ، بأي والأتن (٧) فاتخذوا هذه (٨) الأقطار والحوايط والدّيار ، فتزوجوا (٩) النساء ، واستولدوا الإماء. وكان التلمساني يبعث إلى الصّحراوي بما يرسم له من السلع. ويبعث إليه الصحراوي بالجلد والعاج والجوز والتّبر ، والسّجلماسي كلسان الميزان يعرّفهما بقدر الرّجحان والخسران (١٠) ، ويكاتبهما بأحوال التّجار ، وأخبار البلدان ، حتى اتسعت أموالهم ، وارتفعت في الفخامة (١١) أحوالهم. ولما افتتح التّكرور كورة أي والأتن وأعمالها ، أصيبت أموالهم فيما أصيب من أموالها ، بعد أن جمع من كان بها (١٢) منهم إلى نفسه الرّجال ، ونصب دون (١٣) ماله القتال. ثم اتصل بملكهم فأكرم مثواه ، ومكّنه من التجارة بجميع بلاده ، وخاطبه بالصديق الأحبّ ، والخلاصة الأقرب. ثم صار يكاتب من بتلمسان ، يستقضي منهم مآربه ، فيخاطبه بمثل تلك المخاطبة ، وعندي من كتبه وكتب الملوك بالمغرب ، ما ينبئ عن ذلك ، فلما استوثقوا من الملوك ، تذلّلت لهم الأرض للسّلوك ، فخرجت أموالهم عن الحدّ ، وكادت تفوق (١٤) الحصر والعدّ ؛ لأن بلاد الصحراء ، قبل أن يدخلها أهل مصر ، كانت (١٥) تجلب لها من المغرب ما لا بال له (١٦) من السّلع ، فيعاوض (١٧) عنه بماله بال من الثمن (١٨). ثم قال أبو مدين : الدنيا ضمّ جنب أبو حمو (١٩) ، وشمل ثوباه. كان يقول : لو لا الشناعة لم أزل في بلادي تاجرا من غير تجار الصحراء الذين يذهبون بخبيث السّلع ، ويأتون بالتّبر الذي
__________________
(١) في النفح : «طبلا للرحيل».
(٢) في النفح : «تقدم».
(٣) في النفح : «الذين أحدهم».
(٤) في النفح : «بينهم في جميع ما ملكوه أو يملكونه ...».
(٥) في النفح : «مكان».
(٦) في النفح : «أمي وأبي».
(٧) هو موضع بالصحراء.
(٨) في النفح : «بهذه الأقطار الحوائط».
(٩) في النفح : «وتزوجوا».
(١٠) في النفح : «بقدر الخسران والرجحان».
(١١) في النفح : «الضخامة».
(١٢) في النفح : «فيها».
(١٣) في النفح : «دونها ودون ما لهم القتال».
(١٤) في النفح : «تفوت».
(١٥) في النفح : «كان يجلب إليها من ...».
(١٦) ما لا بال له : أي ما ليس بذي شأن.
(١٧) في النفح : «فتعاوض».
(١٨) في النفح : «الثمن. أي مدبر دنيا ضمّ جنبا أبي حمو ...».
(١٩) أبو حمو : هو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان ، كما سيرد بعد قليل في عنوان : مولده.