ذكر فيه أبو زيد المذكور ، أن ابن القاسم مقيد بالنظر بأصول مالك ، ونازعه أبو موسى عمران بن موسى المشذالي (١) ، وادّعى أنه مطلق الاجتهاد ، واحتج له بمخالفته لبعض ما يرويه أو (٢) يبلغه عنه لما ليس من قوله ، وأتى من ذلك بنظائر كثيرة. قال : فلو تقيّد بمذهبه لم يخالفه لغيره ، فاستظهر أبو زيد بنصّ لشرف الدين بن (٣) التلمساني ، ومثّل فيه الاجتهاد المخصوص باجتهاد ابن القاسم بالنظر إلى مذهب مالك ، والمزني إلى الشافعي. فقال أبو موسى عمران (٤) : هذا مثال ، والمثال لا يلزم (٥) صحّته ، فصاح به أبو زيد (٦) ابن الإمام وقال لأبي عبد الله بن أبي عمر (٧) : تكلّم ، فقال : لا أعرف ما قال هذا الفقيه ، والذي أذكره من كلام أهل العلم أنه لا يلزم من فساد المثال فساد الممثّل به ، فقال أبو موسى للسلطان : هذا كلام أصولي محقق ، فقلت لهما (٨) يومئذ ، وأنا حديث السن : ما أنصفهما (٩) الرّجل ، فإن المثل (١٠) كما يؤخذ على جهة التحقيق ، كذلك يؤخذ على جهة التقريب ، ومن ثمّ جاء ما قال (١١) هذا الشيخ ، أعني ابن أبي عمران (١٢) ، وكيف لا وهذا سيبويه يقول : وهذا مثال ولا يتكلّم به ، فإذا صحّ أن المثال قد يكون تقريبا ، فلا يلزم صحة المثال ، ولا فساد الممثّل لفساده ، فهذان القولان من أصل واحد.
وقال : شهدت مجلسا آخر عند هذا السلطان ، قرىء فيه على أبي زيد ابن الإمام حديث : «لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله» ، من (١٣) صحيح مسلم ، فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السّلوي : هذا الملقّن محتضر حقيقة ، ميّت مجازا ، فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم ، والأصل الحقيقة؟ فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه. وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض «التنقيح» ، فقلت : زعم القرافي أن المشتقّ إنما يكون حقيقة في الحال ، مجازا في الاستقبال ، مختلفا فيه في الماضي ، إذا كان محكوما به. وأمّا (١٤) إذا كان متعلّق الحكم كما هنا ، فهو حقيقة مطلقا إجماعا ، وعلى هذا التقرير لا مجاز ولا سؤال. ولا يقال : إنه احتجّ على ذلك بما فيه نظر ؛ لأنّا نقول : إنه نقل الإجماع ، وهو أحد الأربعة التي لا يطالب عنها (١٥) بالدليل ، كما ذكر أيضا. بل
__________________
(١) في النفح : «المشدّالي».
(٢) في النفح : «ويبلغه».
(٣) كلمة «بن» غير واردة في نفح الطيب.
(٤) في النفح : «فقال عمران».
(٥) في النفح : «تلزم».
(٦) في النفح : «أبو موسى».
(٧) في النفح : «عمرو».
(٨) في النفح : «لهما وأنا يومئذ حديث ...».
(٩) في النفح : «أنصفتما».
(١٠) في النفح : «المثل كما تؤخذ».
(١١) في النفح : «قاله».
(١٢) في النفح : «عمرو».
(١٣) في النفح : «في».
(١٤) في النفح : «أمّا».
(١٥) في النفح : «مدّعيها».