نقول : إنه أساء حيث احتجّ في موضع الوفاق ، كما أساء اللخمي وغيره في الاحتجاج على وجوب الطّهارة ونحوها. بل هذا أشنع ، لكونه مما علم كونه من الدّين ضرورة (١). ثم إنّا لو سلّمنا نفي الإجماع ، فلنا أن نقول : إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة ؛ لأنّ تلقينه قبل ذلك ، إن لم يدهش ، فقد يوحش ، فهو تنبيه على وقت التلقين : أي لقّنوا من تحكمون بأنه ميت. أو يقال (٢) : إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام ، ألا ترى اختلافهم فيه : هل هو (٣) أخذ من حضور الملائكة أو حضور الأجل ، أو حضور الجلّاس؟ ولا شك أن هذه حالة خفيّة يحتاج في نصها (٤) إلى دليل الحكمة أو إلى وصف ظاهر يضبطها ، وهو ما ذكرناه ، أو من حضور الموت ، وهو أيضا ممّا لا يعرّف بنفسه ، بل بالعلامات. فلمّا وجب اعتبارها ، وجب كون تلك التسمية إشارة إليها ، والله أعلم.
وقال : وكان أبو زيد يقول ، فيما جاء من الأحاديث : ما (٥) معنى قول ابن أبي زيد : «وإذا سلّم الإمام ، فلا يلبث (٦) بعد سلامه ولينصرف» ، وذلك بعد أن ينتظر (٧) من يسلّم من خلفه لئلّا يمر بين يدي أحد ، وقد ارتفع عنه حكمه ، فيكون كالداخل مع المسبوق جمعا بين الأدلة.
وقلت (٨) : وهذا من ملح الفقيه. وقال : كان أبو زيد يعني الإمام ، يصحّف قول الخونجي في الجمل والمقارنات التي يمكن اجتماعه معها ، فيقول : و «المفارقات» ، ولعلّه في هذا كما قال أبو عمرو بن العلاء للأصمعي لمّا قرأ عليه : [مجزوء الكامل]
وغررتني وزعمت أنك |
|
لابن في الصّيف (٩) تامر |
فقال : [مجزوء الكامل]
وغررتني وزعمت أنك |
|
لا تني (١٠) بالضّيف تامر |
فقال : أنت في تصحيفك أشهر من الحطيئة ، أو كما يحكى (١١) عن الشافعي أنه لما صلّى في رمضان بالخليفة ، لم يكن يومئذ يحفظ القرآن ، فكان ينظر في
__________________
(١) في النفح : «بالضرورة».
(٢) في النفح : «أو نقول».
(٣) كلمة «هو» غير واردة في النفح.
(٤) في النفح : «في نصبها دليلا على الحكم إلى وصف».
(٥) في النفح : «من».
(٦) في النفح : «يثبت».
(٧) في النفح : «ينتظر بقدر ما يسلّم ...».
(٨) في النفح : «قلت».
(٩) في النفح : «بالصيف».
(١٠) في النفح : «لابن».
(١١) في النفح : «كما حكي عمن صلّى بالخليفة في رمضان ، ولم ...».