الكمامات في شرح المقامات ، واقتراح المتعلمين في اصطلاح المتكلمين ، وكتاب التّصوّر والتصديق ، في التوطية لعلم التحقيق ، ورقم الحلل ، في نظم الجمل ، ومفتاح الإحسان ، في إصلاح اللسان. وما أنشأته من السلطانيات نظما ونثرا ، وخطابة وشعرا. والله تعالى يجعل أعمالنا خالصة لوجهه بمنّه وكرمه ، فليقل الفقيه الأجل ، وبنوه الأكرمون ، رضي الله عنهم ، أنبأنا وأخبرنا وحدّثنا ، أو ما شاءوا من ألفاظ الرواية ، بعد تحري الشروط المرعيّة ، في الإجازات الشرعية ، وإن ذهبوا حفظ الله كمالهم ، وأراهم في الدارين آمالهم ، إلى تسمية من لي من المشايخ ، قدّس الله أرواحهم ، وزحزح عن النار أشباحهم :
فمنهم الأستاذ الخطيب الكبير ، العالم الفاضل الجليل ، البقيّة الصالحة ، آخر الأدباء ، وخاتمة الفضلاء ، أبو جعفر أحمد بن يحيى بن إبراهيم الحميري القرطبي الدّار ، رضي الله عنه. قرأت عليه بقرطبة شعر أبي الطيب قراءة فهم لمعانيه ، وإعراب لألفاظه ؛ وتحقيق للغته ، وتنقير عن بديعه. وكذلك قرأت عليه أكثر شعر أبي تمام. وسمعت عليه كتاب الكامل لأبي العباس المبرّد ، ومقامات التميمي ، كان يرويها عن منشئها ، وكانت عنده بخط أبي الطاهر. وتفقهت عليه «تبصرة الضمري». وكان على شياخته ، رحمه الله ، ثابت الذهن ، مقبل الخاطر ، حافظ المعيّا : [الوافر]
يروع ركانة ويذوب ظرفا |
|
فما تدري أشيخ أم غلام |
نأتيه بمقاطيع الشعر فيصلحها لنا. ويقف على ما نستحسنه منها ، فنجده أثبت منّا ، ولقد أنشدته يوما ، في فتى مفقود العين اليسرى : [الكامل]
لم تزو إحدى زهرتيه ولا انثنت |
|
عن نورها وبديع ما تحويه |
لكنه قد رام يغلق جفنه |
|
ليصيب بالسّهم الذي يرميه |
فاستفادهما وحفظهما ، ولم يزل ، رحمه الله ، يعيدهما مستحسنا لهما ، متى وقع ذكرى. وكان يروي عن الإمام المازري بالإجازة ، وعن القاضي أبي مروان بن مسرّة ، وعن الأستاذ عباس ، وعن أبي عبد الله بن أبي الخصال.
ومنهم الفقيه الأجل العالم العدل ، المحدّث الأكمل ، المتفنن ، الخطيب ، القاضي أبو محمد بن حوط الله. سمعت عليه كتبا كثيرة بمالقة ، بقراءة الفقيه الأستاذ أبي العباس بن غالب ، ولقيته بقرطبة أيضا ، وهو قاضيها. وحدّثني عن جدّي ، وعن جملة شيوخ ، وله برنامج كبير ، وأخوه القاضي الفاضل أبو سليمان أيضا منهم.