وخفت منها السآمة ، وقلت انكحي أسامة. فرضيت منها (١) بأبي جهم (٢) وسوء سلكته (٣) ، وابن أبي سفيان وصعلكته ، وكانت أسرع من أمّ خارجة للخطبة ، وأسمج من سجاح (٤) في استنجاح تلك الخطبة. ولقد كنت أخاف من انتقال الطباع في عترتها (٥) ، واستثقال الاجتماع من عشرتها (٦) ، وأرى من الغبن والسّفاه ، أخذها وترك بنات الأفواه والشّفاه (٧) ، إذ هي أيسر مؤونة ، وأكثر (٨) معونة ، فغلطي (٩) فيها أن كانت بمنزل تتوارى صونا عن الشمس ، ومن نسوة خفرات لا ينطقن إلّا بالهمس ، ووجدتها أطوع من البنان للكفّ ، والعنان للوكف (١٠) ، والمعنى للاسم ، والمغنى للرّسم ، والظّلّ للشخص ، والمستبدل (١١) للنصّ. فما عرفت منها إلّا خبرا (١٢) أرضاه ، حتى حسبتها من الحافظات للغيب بما حفظ الله ، فعجبت لها الآن كيف زلّت نعلها ، ونشزت فنشرت ما استكتمها بعلها ، واضطربت في رأيها اضطراب المختار بن (١٣) أبي عبيد ، وضربت في الأرض تسعى عليّ بكلّ مكر وكيد ، وزعمت أنّ حرف (١٤) الجيم خدعها ، وألان (١٥) أخدعها ، وأخبرها أن سيبلّغ بخبرها الخابور (١٦) ، وأحضرها لصاحبها كما أحضر بين يدي قيصر سابور (١٧) ، فقد جاءت إفكا وزورا ، وكثرت من أمرها شزورا (١٨) ، وكانت كالقوس أرنّت وقد أصمت القنيص ، والمراودة قالت (ما جَزاءُ)(١٩) وهي التي قدّت
__________________
(١) في النفح : «مني».
(٢) يشير هنا إلى قصة فاطمة بنت قيس ، أخت الضحاك ، حين خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم ، فتزوجت أسامة بن زيد ؛ لأن معاوية وصف بأنه صعلوك لا مال له ، وأبو جهم كان لا يضع عصاه عن عاتقه ، أي أنه كان يضرب النساء.
(٣) في النفح : «ملكته».
(٤) في النفح : «وأسمح من سجاح». وأخبار سجاح مع مسيلمة الكذاب معروفة ، وقد ضرب بها المثل في الإسماح.
(٥) في النفح : «عشرتها».
(٦) في النفح : «عترتها».
(٧) بنات الأفواه والشفاه : الحروف مثل الباء والميم وغيرهما.
(٨) في النفح : «وأكبر».
(٩) في النفح : «فغلطني».
(١٠) في النفح : «للكفّ».
(١١) في النفح : «والمستدلّ».
(١٢) في النفح : «خيرا أرضاه ، وحسبتها».
(١٣) كلمة «بن» ساقطة من الإحاطة. وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي ، الذي ثار عام ٦٥ ه ، مطالبا بدم الحسين بن علي ، عليهما الصلاة والسلام.
(١٤) في النفح : «أن الجيم».
(١٥) في الأصل : «والآن» والتصويب من النفح.
(١٦) الخابور : من روافد نهر الفرات ؛ يريد أن يقول : إنه سيبلغ خبرها إلى مكان ناء.
(١٧) هو سابور ذو الأكتاف ، يقال إنه تنكّر ودخل بلاد الروم فوقع في يدي قيصر.
(١٨) في النفح : «منزورا».
(١٩) سورة يوسف ١٢ : الآية ٢٥.