القلوب بفتونه ، ونفث بجفنه (١) الأطراف ، وعبث من الكلام المشقّق الأطراف (٢) ، وعلم كيف يلخّص (٣) البيان ، ويخلّص العقيان. فمن الحقّ أن أشكره على أياديه البيض ، وأن آخذ لفظه (٤) من معناه في طرف النقيض. تالله أيها الإمام الأكبر ، والغمام المستمطر ، والخبر (٥) الذي يشفي سائله ، والبحر الذي لا يرى ساحله ، ما أنا المراد بهذا المسلك ، ومن أين حصل (٦) النور لهذا الحلك؟ وصحّ أن يقاس بين الحدّاد والملك؟ إنه لتواضع الأعزّة ، وما يكون للأكارم (٧) عند المكارم من العزّة ، وتحريض الشيخ للتلميذ ، في (٨) إجازة الوضوء بالنّبيذ. ولو حضر الذي قضي له بجانب الغربيّ أمر البلاغة ، وارتضى ما له في هذه الصناعة ، من حسن السّبك لحليتها (٩) والصّياغة ، وأطاعته فيما أطلعته طاعة القوافي الحسان ، وأتبعته فيما جمعته لكن بغير إحسان ، لأذعن كما أذعنت ، وظعن عن محلّ دعوى (١٠) الإجادة كما ظعنت ، وأنّى يضاهى الفرات المعين (١١) بالنّغبة (١٢) ، ويباهى بالفلوس من أوتي من الكنوز ما أنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة ، وأي حظّ للكلالة في النّشب (١٣) ، وقد اتصل للورثة عمود النّسب. هيهات والله بعد (١٤) المطلب ، وشتّان الدّرّ والخشلب (١٥) ، وقد سيم الغلب ، ورجع إلى قيادة السّلب ، وإن كنّا ممّن تقدّم لشدّة الظمإ إلى المنهل ، وكمن أقدم إلى عين تبوك بعد النّهي للعل والنّهل. فقد ظهرت بذلك (١٦) المعجزة عيانا ، وملئ ما هناك (١٧) جنانا ، وما تعرّضنا بإساءة الأدب واللّوم ، ولكن علمنا أن آخر الشّرب (١٨) ساقي القوم ، وإن أسهبنا فما نلنا رتبة ذلك الإيجاز ، وإن أعرقنا فهوانا في الحجاز ، فلكم قصيرات الحجال ، ولنا قصيرات الخطا في هذا المجال ، وإكثارنا في قلّة ، وجارنا من الفقر في فقر وذلّة. ومن لنا بواحدة يشرق ضياؤها ، ويخفي النجوم خجلها منها وحياؤها؟ إن لم تطل فلأنها للفروع كالأصل ، وفي المجموع (١٩) كليلة الوصل. فلو سطع نورها الزاهر ، ونورها الذي تطيب منه
__________________
(١) في النفح : «بخفية».
(٢) في النفح : «بالأطراف».
(٣) في النفح : «يمحض».
(٤) في النفح : «وإن أخذ لفظة ...».
(٥) في النفح : «والحبر».
(٦) في النفح : «حصل ذلك النور».
(٧) في النفح : «عند الكرام من الهزّة».
(٨) في النفح : «وترخيص في ...».
(٩) في النفح : «لحليها».
(١٠) كلمة «دعوى» ساقطة في النفح.
(١١) كلمة «المعين» ساقطة في النفح.
(١٢) النّغبة : الجرعة من الماء. لسان العرب (نغب).
(١٣) في النفح : «بالنشب».
(١٤) كلمة «بعد» ساقطة في النفح.
(١٥) في النفح : «والمخشلب».
(١٦) في النفح : «بعد ذلك».
(١٧) في النفح : «وملأ ما هنالك».
(١٨) في الأصل : «الشرّاب» والتصويب من النفح.
(١٩) في النفح : «الجموع».