ومشعشعي (١) راح هذا الدّن ، بمجموع (٢) أدوات ، وفارس يراعة ودواة (٣) ، ظريف المنزع ، أنيق المرأى والمسمع ، اختصّ بالرئاسة وأدار (٤) فلك إمارتها ، واتّسم باسم كتابتها ووزارتها ، ناهضا بالأعباء ، راقيا (٥) في درج (٦) التقريب والاجتباء ، مصانعا دهره في راح وراحة ، آويا إلى فضل وسماحة ، وخصب ساحة ، كلما فرغ من شأن خدمته ، وانصرف عن ربّ نعمته ، عقد شربا ، وأطفأ من الاهتمام بغير الأيام حربا ، وعكف على صوت يستعيده ، وظرف يبديه ويعيده. فلما تقلّبت (٧) بالرئاسة الحال ، وقوّضت منها الرحال ، استقرّ بالمغرب غريبا ، يقلّب طرفا مستريبا ، ويلحظ الدنيا تبعة عليه وتثريبا (٨) ، وإن كان لم يعدم من أمرائها (٩) حظوة وتقريبا ، وما برح يبوح بشجنه ، ويرتاح إلى عهود وطنه.
شعره وكتابته : ممّا كتبه ، وبيّن فيه أدبه قوله (١٠) : [الكامل]
يا نازحين ولم أفارق منهم |
|
شوقا تأجّج في الضّلوع (١١) ضرامه |
غيّبتم عن ناظري وشخصكم |
|
حيث استقرّ من الضلوع مقامه |
رمت النّوى شملي فشتّت نظمه |
|
والبين رام لا تطيش سهامه |
وقد اعتدى فينا وجدّ مبالغا |
|
وجرت بمحكم جوره أحكامه |
أترى الزمان مؤخّرا في مدّتي |
|
حتى أراه قد انقضت أيّامه |
تحملها (١٢) يا نسيم نجديّة النّفحات ، وجديّة اللّفحات ، يؤدي (١٣) عني نغمها إلى الأحبّة سلاما ، ويورد (١٤) عليهم لفحها بردا وسلاما ، ولا تقل كيف تحمّلني نارا ، وترسل على الأحبّة مني إعصارا ، كلّا إذا أهديتهم تحية إيناسي ، وآنسوا من جانب هبوبك نار ضرام أنفاسي ، وارتاحوا إلى هبوبك ، واهتزّوا في كفّ مسرى جنوبك ،
__________________
(١) في النفح : «ومشعشع».
(٢) في النفح والكتيبة : «مجموع».
(٣) كلمة «ودواة» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من المصادر الثلاثة.
(٤) في النفح : «فأدار».
(٥) في النفح : «صاعدا».
(٦) في الكتيبة : «درجات».
(٧) في الأصل : «تقليت» والتصويب من المصادر.
(٨) التثريب : اللوم. لسان العرب (ثرب).
(٩) في النفح : «أمرائه».
(١٠) الأبيات في الكتيبة (ص ١٦١) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٦). والبيتان الأول والثاني في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٢٧٢).
(١١) في الكتيبة : «في الفؤاد».
(١٢) النص مع الشعر في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧).
(١٣) في النفح : «تؤدي إلى الأحبة نفحها سلاما».
(١٤) في النفح : «وتورد».