وتعللّوا بها تعليلا ، وأوسعوا آثار مهبّك تقبيلا ، أرسلها عليهم بليلا ، وخاطبهم بلطافة تلطفّك تعليلا. ألم تروني كيف جئتكم بما حملني عليلا (١) : [الوافر]
كذاك (٢) تركته ملقى بأرض |
|
له فيها التعلّل بالرّياح |
إذا هبّت إليه صبا إليها |
|
وإن جاءته من كلّ النواحي |
تساعده الحمائم حين يبكي |
|
فما ينفكّ موصول النّياح (٣) |
يخاطبهنّ مهما طرن شوقا |
|
أما فيكنّ واهبة (٤) الجناح؟ |
ولو لا (٥) تعلّله بالأماني ، وتحدّث نفسه بزمان التّداني ، لكان قد قضى نحبه ، ولم أبلّغكم إلّا نعيه أو ندبه ، لكنه يتعلّل من الآمال بالوعد الممطول ، ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول ، ويحدّث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلّب (٦) ، ووثقت بمواعيد الدهر القلّب (٧) ، فيناجيها بوحي ضميره ، وإيماء تصويره : كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب ، والتخلّص من ربقة الاغتراب؟ أبائنة الحضور أم بادية الاضطراب؟ كأنّي بك وقد استفزّك وله السرور ، فصرفك عن مشاهدة الحضور ، وعاقتك غشاوة الاستعبار للاستبشار ، عن اجتلاء محيّا ذلك النهار (٨) : [البسيط]
يوم يداوي زماناتي من ازماني |
|
أزال (٩) تنغيص أحياني فأحياني |
جعلت لله نذرا صومه أبدا |
|
أفي به وأوفّي شرط إيماني |
إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت |
|
أشطان دهر قد التفّت بأشطاني (١٠) |
أعدّه (١١) خير أعياد الزمان إذا |
|
أوطاني السّعد فيه ترب أوطاني |
أرأيت (١٢) كيف ارتياحي إلى التّذكار ، وانقيادي إلى معلّلات توهّمات الأفكار؟ كأنّ البعد باستغراقها قد طويت شقّته ، وذهبت عني مشقّته ، وكأنّي بالتّخيّل بين تلك
__________________
(١) الأبيات أيضا في الكتيبة الكامنة (ص ١٦٢).
(٢) في الكتيبة : «غريب بعدكم ملقى ...».
(٣) في الكتيبة : «التياح». وفي النفح : «النّواح».
(٤) في الأصل : «واهية» والتصويب من النفح والكتيبة.
(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٧).
(٦) البرق الخلّب : البرق الذي يظنّ فيه سحابة المطر وليس فيه مطر. لسان العرب (خلب).
(٧) الدهر القلّب : الكثير التقلّب. لسان العرب (قلب).
(٨) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٧).
(٩) في الأصل : «أزبر» والتصويب من النفح.
(١٠) الأشطان : جمع شطن وهو الحبل. لسان العرب (شطن).
(١١) في الأصل : «أعدّده» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٧ ـ ٣٧١).