حاله : قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : كان منقبضا عن الناس ، أديبا ، شاعرا ، خمّس عشرينيات الفازازي ، رحمه الله تعالى. وذكره صاحب الذيل ، وقال لي شيخنا أبو البركات ، وهو جدّه ، أبو أبيه ، ما معناه : كان شريفا ، عالي الهمة ، عظيم الوقار ، ألوفا ، صموتا ، نحيف الجسم ، آدم اللون ، خفيف العارض ، مقطّب الوجه ، دائم العبوس ، شامخ الأنف ، إلّا أنه كان رجلا عالما راسخا ، عظيم النزاهة ، حافظا للمروءة ، شهير الذكر ، خطيبا مصقعا ، مهيبا كشهرته ، قديم الرياسة ، يعضّد حديثه قديمه. واستقرّ بألمرية ، لمّا تغلّب العدو على بلد سلفه. ولمّا توفي شيخ المشايخ ؛ أبو إسحاق بن الحجاج ، تنافس الناس من البلدين ، وغيرهم ، في خطبة بنته. قال شيخنا أبو البركات : ومن خطّه نقلت ، وكان ابن مهيب واحدا منهم في الإلحاح بالخطبة ، متقدما في حلبتهم ، بجيوش الأشعار. ورام غلبته ذوو اليسار ، من حيث كان بحمراء جيش الإعسار ، فأذلّهم بالمقابلة في عقر الدار ، فلم يراجعوا من الغنيمة إلّا بالفرار. قلت : وجلب في هذا المعنى شعرا كثيرا ، ناسب الغرض. ونال من المتغلب على ألمريّة ، على عهده ، حظوة ، فاستظهر به تارة على معقل مرشانة ، وتارة على الرسالة إلى الحضرة الحفصية بتونس. ولما آب من سفره إليها ، سعى به لديه بما أوجب أن يحجر عليه التّصرف ، وسجنه بمنزله. فلمّا قصد ألمرية الغالب بالله ، مستخلصا إياها من يد الرئيس أبي عبد الله بن الرّميمي ، ونزل بمدينتها ، وحاصر قصبتها ، وقع اختيار الحاصر والمحصور على تعيين ابن مهيب ، بمحاولة الأمر ، وعقد الصلح ، رضى بدينه وأمانته ، فعقد الصلح بينهما على أن يسلم ابن الرميمي القصبة ، ويعان على ركوب البحر بماله وأهله وولده ، فتأتّى ذلك واكتسب عند الغالب بالله ، ما شاء من عزّة وتجلة.
وقفني شيخنا أبو البركات على ظهير سلطاني ، صدر عن الأمير الغالب بالله ، يدل على جلالة قدره ، نصّه :
هذا ظهير كريم ، أظهر العناية الحافلة لمستوحيها ومستحقّها ، وأجراه من الرعاية الكاملة على الحبّ طرقها. أمر بإحكام أحكامه ، والتزام العمل بفصوله وأقسامه ، الأمير أبو (١) عبد الله محمد بن يوسف بن نصر نصر الله أعلامه ، وأدام لإقامة قسط العدل أيامه ، لوليّه العليّ المكانة ، وصفيّه المليء بأثرتي المعرفة
__________________
(١) كلمة «أبو» ساقطة في الأصل. وقد حكم أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر غرناطة من سنة ٦٣٥ ه إلى سنة ٦٧١ ه. اللمحة البدرية (ص ٤٢).