وأطلع عليه من أنباء الفتوح المبشّرة بالنصر الممنوح ما يكمل من بغيته في نصر دين الإسلام ويسني مراده.
أما بعد حمد الله ، الذي جعل الجهاد في سبيله أفضل الأعمال ، الذي يقربه إلى رضاه ، وندب إليه بما وعد من الثواب عليه ، فقال : يا أيها النبي ، حرّض المؤمنين على القتال ، تنبيها على محل الثقة ، بأن الفئة القليلة من أوليائه ، تغلب الفئة الكثيرة من أعدائه ، وتدارك دين الإسلام بإنجاز وعده في قوله ، ولينصرنّ الله من ينصره ، على رغم أنف من ظن أنه خاذله ، تعالى الله عن خذلان جنده. والصلاة والسلام على نبيّه ورسوله ومجتباه ، لهداية الخلق لسلوك سبيل الحق ، والعمل بمقتضاه. قال تعالى فيما أنزل : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ)(١) تحريضا على أن يمحو ظلام ضلالهم بنور هداه صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله الأبرار ، وأصحابه الأشداء على الكفار ، الذين جرّدوا في نصرة دينه صوارم العزم وأمضوا ظباه ، وفتحوا ما زوّى له من مشارق الأرض ومغاربها حتى عمّ الإسلام حدّ المعمور ومنتهاه. فإنّا كتبنا لكم ، كتب الله لكم من سماع البشائر ما يعود بتحويل الأحوال ، وأطلع عليكم من أنباء الفتوح ما يلوح بآفاق الآمال ، مبشرا باليمن والإقبال. من قيجاطة ، وبركات ثقتنا بالله وحده ، تظهر لنا عجائب مكنونات ألطافه ، وتجنينا ثمار النصر في إبّان قطافه ، وتسخّر لنا ورد مشرع الفتح فترد عذب نطافه ، والحمد لله الذي هدانا لأن نتقلّد نجادها ، ونمتطي جوادها ، ونستوري زنادها ، ونستفتح بها مغالق المآرب ، ولطائف المطالب ، حتى دخلت الملّة الحنيفية في هذه الجزيرة الأندلسية أغوارها وأنجادها. وقد (٢) تقرّر عند الخاص والعام ، من أهل الإسلام ، واشتهر في جميع (٣) الأقطار اشتهار الصبح في سواد الظلام ، أنّا لم نزل نبذل جهدنا في أن تكون كلمة الله هي العليا ، ونسمح في ذلك بالنفوس والأموال رجاء ثواب الله لا لغرض (٤) دنيا. وأنّا ما قصّرنا في الاستنصار والاستنفار (٥) ، ولا قصرنا (٦) عن الاعتضاد لكلّ من أمّلنا معونته (٧) والاستظهار ، ولا اكتفينا بمطوّلات الرسائل وبنات الأفكار ، حتى اقتحمنا بنفوسنا لجج البحار ، وسمحنا بالطّارف من أموالنا والتّلاد ، وأعطينا رجاء نصرة الإسلام موفور الأموال والبلاد ، واشترينا بما أنعم الله به علينا ما فرض الله على كافة أهل الإسلام من الجهاد ، فلم
__________________
(١) سورة التوبة ٩ ، الآية ١٢٣.
(٢) من هنا حتى قوله : «إلى بلوغ الأمنية والمأمول» وارد في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧).
(٣) في النفح : «آفاق».
(٤) في النفح : «لا لعرض الدنيا».
(٥) في النفح : «في الاستنفار والاستنصار».
(٦) في النفح : «ولا أقصرنا».
(٧) في النفح : «معاملته».