عليك ، وتقليب أحداقهم بالنظر إليك ، حين لثمت بالسحاب ، ونظرت من تحت ذلك النّقاب ، وقد يمتاز الشّيب وإن استتر بالخضاب ، حتى إذا وقف الأئمّة منك على الصّحيح ، وصرّحوا برؤيتك كلّ التصريح ، نظرت كل جماعة في اجتماعها ، وتأهّبت القرّاء لإشفاعها ، واندفعت الأصوات باختلاف أنواعها ، وتضرعت الألباب ، وطلبت المواقف أواخر الأعشار والأحزاب ، وابتدئت ألم ذلك الكتاب ، عند ما أوقدت قناديل كأنما قد بدت من الصباح ، ورقصت رقص النواهد عند هبوب الرياح ، والله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، فأمّلك المسلمون في سرّ وجهر ، وحطّت أثقال السيئات عن كل ظهر ، والتمست الليلة التي هي خير من ألف شهر ، فنشط الصالحون بك صوما ، وهجر المتهجّدون في ليلك نوما ، وأكملناك إن أذن الله ثلاثين يوما. فيا أيها الذي رحل ، رحل بعد مقامه ، وقام للسّفر من مقامه ، ورأى من قضى حقّه ومن قصّر في صيامه ، فمشى الناس إلى تشييعه ، وبكوا لفراقه وتوديعه ، وندم المضيّع على ما كان من تضييعه ، ولم يثق بدوام العيش إلى وقت رجوعه ، فعضّ على كفّه ندما ، وبكت عينه ماء وكبده دما. رويدا حتى أمرح في ميدان فراقك ، وأتضرّع إلى حنانك وإشفاقك ، وأتشفى من تقبيلك وعناقك ، وأسأل منك حاجة إن أراد الله قضاءها ، وشاء نفوذها وإمضاءها ، إذا أنت وقفت لربّ العالمين ، فقبلك من قوم وردّك في وجوه آخرين. إن تثني جميلا ، فعسى يصفح لعهده وإن أساء ، فعلم الله أني نويت التوبة أولا وآخرا ، وأملت الأداء باطنا وظاهرا ، وكنت على ذلك لو هدى الله قادرا ، وإنما علم ، من تقصير الإنسان ما علم ، وللمرء ما قضي عليه به وحكم ، وإن النفس لأمّارة بالسّوء إلّا من رحم ، فإن غفر فبطوله وإحسانه ، وإن عاقب فيما قدّمت يد العبد من عصيانه ، فيا وحشة لهذه الفرقة ، ويا أسفا على بعد الشّقة ، ويا شدّ ما خلّفته لنا بفراقك من الجهد والمشقة ، ولطالما هجر الإنسان بك ذنبه ، وراقب إعظاما لكربه ، وشرحت إلى أعمال البرّ قلبه. ومع هذا أتراك ترجع وترى ، أم تضمّ علينا دونك أطباق الثّرى؟ فيا ويلتا إن حلّ الأجل ، ولم أقض دينك ، ورجعت وقد حال الموت بيني وبينك ، فأغرب ، لا جعله الله آخر التوديع ، وأيّ قلب يستطيع.
وقال في استهلال شوال :
ولكل مقام مقال. الله أكبر هذا هلال شوّال قد طلع ، وكرّ في منازله وقطع ، وغاب أحد عشر شهرا ثم رجع. ما لي أراه رقيق الاستهلال ، خفيّ الهلال ، وروحا تردّد في مثل انملال؟ ما باله أمسى الله رسمه ، وصحّح جسمه ، ورفع في شهور العام اسمه؟ على وجهه صفرة بيّنة ، ونار إشراقه ليّنة ، وأرى السحاب تعتمده وتقف ،