خلطة تونس مع الدول بإذن خاص وولاية المناصب بأمر السلطان والإختيار لأصحابها من الوالي ، ويرفع في كل عام حساب دخل الحكومة وخرجها ، وأيضا قد فعلت الدولة في طرابلس ما فعلته في سائر ولاياتها من التغيير ، وكذلك في مصر لكنها بامتياز فقوي خوف الرجل وجعل يرود كل الأبواب للإطمئنان على إبقاء عادته المألوفة له ولآل بيته وللقطر ، من غير أن يخطر بباله قط الإستقلال لا هو ولا من سلف من آله فضلا عن الدخول في حماية دولة أجنبية ، وغاية الأمر زيادة المواصلة منه مع دولة فرنسا ، والمدارات بما لا يخل بشيء من العادات مع طلب محافظة عاداته لو تريد الدولة العلية إلحاقه بغيره ، وغاية ما حصل عليه من دولة فرنسا هو الوعد الشفاهي بحمايته وحماية امتيازاته الجاري بها العمل والعادة.
ويشهد لما مرّ سيما بعد ولاية العائلة الحسينية المستقرّة الآن ، أنّ الدولة العلية في سنة (١١٥٣ ه) أعطت جزيرة طبرقة التي هي من القطر التونسي إلى دولة الجنويز ، وأذنت بذلك والي تونس فسلم الجزيرة بالشروط التي عينتها الدولة ، وهي : أن لا يكون لهم بها حصن ولا يتجاوزون في بناء بلد هناك حدّا محدودا ، ثم خالفوا الشروط ولذلك افتك الجزيرة منهم علي باشا والي تونس إذ ذاك في تلك السنة. وفي سنة (١١٨٤ ه) حصلت وحشة بين فرنسا وبين علي باشا الثاني والي تونس من جهة الخلاف في الأسرى الذين أخذتهم تونس من قرسكا قبل استيلاء الفرنسيس عليها ، وكذلك صيد المرجان الذي أبيح للفرنساويين لسنتين بعدد معلوم من القوارب وأداء معلوم ، وتفاقم الخلاف إلى أن جاء الأسطول الفرنساوي إلى شطوط تونس ورمى بعض الحصون ، وكان إذ ذاك رسول الدولة في تونس قادما لطلب إعانة السفن الحربية على العادة في حرب الدولة إذ ذاك مع الروسيا ، فتداخل رسول الدولة في النازلة وأبرم الصلح على أن تدخل كرسكا في عهدة فرنسا وأن ترد الأسارى الذين أخذوا بعد استيلاء الفرنسيس عليها ، وأن يمكنوا من صيد المرجان خمس سنين مستقبلة بإثني عشر زورقا لا غير ، وأن يمكنوا من شراء ثلاثة آلاف قفيز قمحا ويخرجونها من غير أداء سراح عليها ، وأن يدفعوا ما جرت به العادة عند عقد الصلح من الهدية ، ورجعت بعد ذلك العلقة الحسنة المعتادة بين تونس وفرنسا على يد رسول الدولة العلية ، وكذلك أرسلت خمس سفن حربية بجميع لوازمها لإعانة الدولة في حرب الروسيا المذكورة سنة (١١٨٥ ه).
وفي سنة (١٢١٣ ه) أمرت الدولة العلية حموده باشا بحرب الفرنسيس معها عند استيلائه على مصر ، فامتثل الأمر وقطع الخلطة مع القنسل وأرسل سفنه الحربية لإعانة الدولة ، غير أنه تحفظ للغاية على أموال التجار الفرنساويين في بلده ولم يتعرض لسفنهم التجارية ، حتى قال تجار الفرنسيس إذ ذاك نحن بلا قنسل أحسن حالا من وجود القنسل ، وأعلم الباشا الدولة بسبب تلك المعاملة وهو كثرة الخلطة التجارية المتقادمة الموجبة لاشتراك مال التونسيين مع مال الفرنسيس ، فلو تعرض لأموالهم لكان تعرضا لمال التونسيين