المكاسب وتلقت الأمة ذلك العمل بالسرور والإنقياد إلا السادات المعاونين الأشراف من أهالي الوطن القبلي لعدم سابقية أداء عليهم ، وكذلك ضبط أعشار القمح والشعير وجعل على كل ماشية قدرا معينا هو أقل ما يمكن حصوله في الغالب إلا أن يكون قحط بالمرة وإذا ثبت القحط يسقط على صاحبه ، وذلك المقدار هو ربع القفيز من كل نوع وإن زاد العشر الحقيقي على ذلك القدر فهو موكول إلى ديانة صاحبه يدفعه لمن شاء كل ذلك تحاميا عن أبواب المظالم.
وهكذا رتب أعشار الزيت وجعل لها مكاييل منضبطة ولا يأخذ إلا العشر وشيئا يسيرا مقدارا معينا لكراء المعصرة ، وشدد النكير على العمال فيما إذا امتدّت أيديهم إلى شيء زائد من الرعايا لأنه جعل لهم مرتبات على حسب أعمالهم يأخذونها من الحكومة ، ولم تنفع جناية العامل قرابته لأنه كان صلبا في الحق حتى عاقب أصهاره بأخذ ما أخذوه من الرعايا وسجن بعضهم بمساكنهم وسجن أتباعهم الذين شاركوهم في الأخذ وتوسطوا فيه ، ولذلك انكف الوزير مصطفى خزنة دار وصار على حذر إلا ما ندر أواخر مدّة الوالي المذكور ، وكان هذا الوالي جريا على الحكم ولو بالقتل فيما يراه من الحقوق واشتد خوف الوزير منه باطنا ، إلى أن حصل من أحد أتباع القائد نسيم اليهودي سبا للدين الإسلامي علنا في مجمع عظيم من المسلمين ، وكان أمر الدين إذ ذاك وشعائره بالمكان الأعلى على ما تقدم بيانه ، فاهتزت البلاد تعظيما للخطر سيما وقد رأوا أن الرجل لا تناله الأحكام لأنه إنما قدم على مثل ذلك اعتمادا على الاحتماء بسيده الذي هو من خواص الوزير ، وبلغ ذلك للوالي وقد كان منذ قريب قتل عسكريا لقتله يهوديا على مقتضى المذهب الحنفي من قتل المسلم بالذمي ، مع أن أحكام قتل النفس في القطر جارية على مقتضى المذهب المالكي لأنه يرى القود بغير المحدد ، وهو الموافق لحالة أهل القطر ولمذهب أغلبهم وهذا المذهب لا يرى قتل المسلم بالكافر ، فخالف الوالي عادة البلاد وأجرى حكم المذهب الحنفي فلزمه نظرا للهيجان العام توجيه النازلة إلى المجلس الشرعي فحكم المالكية بقتل اليهودي ووافقهم أغلب الحنفية وكتب فيها الشيخ بيرم الرابع بالموافقة مع نقل نصوص مدارها على التعزير المغلظ وقد يبلغ به للقتل وهو المعين في معروضات أبي السعود (١) وقد تحقق ما ظنته العامة ، فإن الوزير عارض انتصار التابعة في إنفاذ الحكم وطلب من الوالي أن يحكم هو في الجاني بغير القتل وألح عليه فامتنع لما تقدم واحتال الوزير حتى بإغراء قنسل الفرانسيس بالتداخل في النازلة وأنفذ الوالي الحكم فانتهزها الوزير فرصة ولاذ بفرنسا بواسطة قنسلها إلى أن أتى الأسطول الفرنساوي في المحرّم سنة ١٢٧٤ ه وألح رئيسه وقنسلهم وعضدهم
__________________
(١) هو محمد بن محمد بن مصطفى العمادي ، المولى أبو السعود (٨٩٨ ـ ٩٨٢ ه) مفسر شاعر. من علماء الترك المستعربين. ولد بالقسطنطينية وهو مدفون في جوار مرقد أبي أيوب الأنصاري. الأعلام ٧ / ٥٩. شذرات الذهب ٨ / ٣٩٨ ، النور السافر (٢٣٩) الفوائد البهية (٨١).