فرنسا على سياسة الوزير مع الدولة العلية ، وإلا فما هو الخلاف السياسي الذي يعلمه القنصل دون غيره ، وهذا يؤيد الكلام السابق في حقيقة أسباب انفصال الوزير المذكور عن الوزارة.
ولما تفاقم التنافر طلب الوزير خير الدين السفر لمداواة مرض عصبي فأذن له بعد التصعب التام ووداع الوالي ، ولما استقر في أوروبا حذر من العود خوفا عليه فكاتب هو الوزير محمد بما مضمونه : أنه كان أرسل إليه مكتوبا جوابا عن مكتوبه بأن الوالي سأل عن حاله وعن وقت رجوعه وأنه إنما كان سافر لأجل التداوي أولا وثانيا لأجل التباعد عن القيل والقال وهو المقتضى لتطويل الغيبة ، فإذا رأى رجوعه لا بأس فيه فليأمر الوالي به لأن غاية مراده هو أن يعيش في بلاده مع عائلته تحت ظل الوالي مع حريته الشخصية من غير أن يتداخل في شيء من الأمور كما هي عادته عند انفصاله من الوظائف ، بدليل سيرته في التسعة سنين السابقة التي بقي فيها بلا مأمورية ، وأنه كان ينتظر الجواب عن ذلك المكتوب الذي تضمن الإعلام بعزمه على السكنى بالقطر خلافا لما يشيعه المغرضون ، متعهدا بعدم التداخل في شيء من الأمور السياسية ، وأنه طلب حريته الشخصية حيث صدر الإذن للأهالي والمتوظفين باجتنابه ، ومع انتظاره للجواب مدة من الزمن لم يرد له الجواب إلا بكون رجوعه لا يتوقف على إذن مع التغافل عن الموجبات المشار إليها مع أنه لم يطلب إلا ما كان الوالي سمح به للوزير مصطفى خزندار في صفر سنة ١٢٩٢ ه من الرخصة في مخالطة من يشاء والسفر الخ ، مع أن ذلك الوزير كان مطالبا بمال جسيم وليس خروجهما من الوظيف سواء لاختلاف الأسباب ، وما طلبه الوزير صاحب المكتوب هو ضروري في حقه لما صدر من الإذن في المنع من الاجتماع به حتى أن وكيله المالي امتنع من القدوم إليه هذا زيادة على الصعوبات التي وقعت عند إرادته السفر ، ولم يجب عن هذا المكتوب وكان القصد من أضداده إما حمله على عدم العود أو أنه إذا عاد يتسبب له بإيقاعه في محذور وخيم ، ومع ذلك قدم الوزير خير الدين لتونس عندما شاع أن بعض بواخر الروسيا قادمة إلى تونس وكانت حالته مع الوالي أشد مما سبق ، فأرسل إليه بأن يقصر من القدوم إليه إلا بإذن متعللا بأن الوزير مصطفى خزندار تشكى من منعه هو من زيارة الوالي مع عدم منع الوزير خير الدين ، وقال كثير من الناس هو قياس مع الفارق ثم عاد الوزير خير الدين إلى السفر أواسط سنة ١٢٩٥ ه ورجع ، إلى أن أتاه إذن بسلك الإشارة من الأعتاب السلطانية بالقدوم إلى الآستانة ، فاستأذن الوالي وامتنع من الإذن له حتى دعا القناسل المعتبرين واستشارهم في ذلك ، فكلهم أشاروا عليه بأن لا وجه في منعه وإلا وفق له الإذن بطيب نفس منه ، فأذن له عن كره ومنعه من وداعه وسافر في رمضان سنة ١٢٩٥ ه وترقى في عناية الخليفة به إلى أن صار صدرا أعظم في ذي الحجة من تلك السنة ، وجلبت عائلته في باخرة سلطانية ومن ذلك الوقت خرج الكلام على هذا الوزير عن موضوعنا الذي نحن في صدده ، وقد انحصرت دعوى أعداء خير الدين في أمرين.