وسبعون ذراعا ، فتأمله وقوّى عزمه على حصاره ، واستدعى الثقل وبقية العسكر ، يوم السبت رابع عشري جمادى الآخرة. فنزل الثقل تحت الجبل.
وفي بكرة الأحد صعد السّلطان جريدة ، مع المقاتلة ، والمنجنيقات ، وآلات الحصار إلى الجبل ، فأحدق بالقلعة ، وركب المنجنيقات عليها فقاتلها ليلا ونهارا ، ثم قسم العسكر على ثلاثة أقسام ؛ يوم الثلاثاء ، ورتب كل قسم يقاتل شطرا من النهار ، بحيث لا يفتر القتال عليها.
وحضرت نوبة السّلطان ، فتسلّمها بنفسه ، وركب ، وصاح في النّاس ، فحملوا حملة الرجل الواحد ، وطلعوا إلى الأسوار ، وهجموها عنوة ، ونهبوا جميع ما فيها ، وأسروا من كان فيها ، وعاد السلطان إلى الثقل ، وأحضر صاحبها ومعه من أهله سبعة عشر نفرا ، فرّق له السّلطان ، وأطلقه مع جماعته ، وأنفذهم إلى صاحب «انطاكية» ، استمالة له ، فإنهم كانوا من أهله (١).
ثم سار السّلطان حتى نزل على «درب ساك» ، يوم الجمعة ثامن شهر رجب من السنة ، فقاتلها قتالا شديدا بالمنجنيقات ، وأخذ النقب تحت برج منها ، فوقع ، وحماه الفرنج بالرّجال ، ووقفوا فيه يحمونه عن كلّ من يروم الصعود فيه ، وجعلوا كلّما قتل منهم واحدا أقاموا غيره مقامه ، عوضا عن السّور.
__________________
(١) من الواضح أن مصدر ابن العديم هو ابن شداد ، لأنه كان من شيوخه ـ انظر النوادر السلطانية ص ٦١ ـ ٦٢.