وسار الفرنج إلى حصار «عكا» ، فنزلوا عليها في يوم الأربعاء ثامن شهر رجب. وسار السّلطان فنزل عليهم بظاهر «عكا» ، ومنعهم من الإحاطة بسورها ، فكان نازلا على قطعة منها تلي الشّمال ، ومعه الباب الشمالي من «عكا» مفتوحا ، والمسلمون يدخلون اليها ويخرجون ، والفرنج على الجانب الجنوبي ، وقد أغلق في وجوهم الباب المعروف بباب «عين البقر» ، وكان الفرنج يقومون بمحاربة المسلمين ، من جانب المدينة ومن جانب العسكر.
وجرت بينهم وبين الفرنج وقعات متعدّدة ، من أعظمها وقعة اتفقت يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان ، خرج الفرنج واصطفوا على تعبئة القتال ، والملك في القلب وبين يديه الانجيل ، فوقف المسلمون أيضا على تعبئة ، وتحرّكت ميسرة الفرنج على ميمنة المسلمين ، وفيها الملك المظفّر ، فتراجع عنهم ، وأمدّه السلطان بأطلاب عدّة من القلب ، فخفّ القلب ، وعادت ميسرة الفرنج فطمعت فيه ، فحملوا على القلب ، فانكسر ، وانكسر معه معظم الميمنة ، وبلغت هزيمتهم إلى «الأقحوانة» ، ومنهم من دخل دمشق.
ووصل الفرنج إلى خيم السّلطان ، فقتلوا ذلك اليوم «أبا عليّ الحسين بن عبد الله بن رواحة». وكان قد مدح النبيّ صلىاللهعليهوسلم ووقف بازآء قبره ، وأنشد قصيدته ، وقال : «يا رسول الله إنّ لكل شاعر جائزة وقرى ، وإني أطلب جائزتي الشّهادة ، فاستجاب الله دعاءه».