وقتل ذلك اليوم مكبّس السلطان وطشت داره (١) ، وثبتت ميسرة المسلمين ، وصاح «السّلطان» فيمن بقي من المسلمين : «يال الاسلام» ، وعادت ميسرة الفرنج إلى عسكره ، فتكاثر الناس وراءهم ، وحملوا عليهم ، فانهزموا ، وتبعهم المسلمون ، فقتلوا منهم زهاء سبعة آلاف ، ولم يقتل من المسلمين غير مائة وخمسين نفرا.
ثم إنّ الحرب اتّصلت بينهم ليلا ونهارا ، وكثر القتل بينهم ، وأقبل الشّتاء ، فلقي المسلمون منه شدّة. وحضروا إلى السّلطان ؛ وأشاروا عليه بالرّحيل عن «عكا» إلى «الخروبة» (٢) ليفسح ما بين العسكرين. وكان ذلك للضّجر من تلك المواقفة ، وملازمة القتال ، حتى أوهم السّلطان [وقالوا له :](٣) «إنك قد ضيّقت على الفرنج مجال الهرب ، وحلت بينهم وبين صور ، وطرابلس ، ولو أفرجت لهم عن الطّريق لما وقفوا بين يديك».
فرحل السّلطان إلى «الخروبة».
فأصبح الفرنج وقد انبسطوا على عكا ، وأحاطوا بها من سائر جهاتها ، واتّصل ما بينهم وبين «صور» ، وجاءت مراكبهم منها ، فحصرت «عكّا» من جانب البحر ، وضعفت قلوب المسلمين بعكا ، وعادوا يقتاتون من الحواصل المدخورة ، بعد أن كان من المير المجلوبة.
وتوفّر الفرنج على قتال أهل «عكا» بعد أن كانوا مشغولين بالعسكر ،
__________________
(١) الطشت دار المسؤول عن غسيل أواني السلطان وثيابه وأحيانا حمامه ووضوئه.
(٢) الخروبة حصن كان على مقربة من عكا. معجم بلدان فلسطين.
(٣) زيادة اقتضاها السياق.