وشرع الفرنج في إدارة خندق على عساكرهم ، كاستدارتهم بعكا ، وجعلوه شكلا هلاليا : طرفاه متّصلان بالبحر ، وأقاموا عليه سورا مما يليهم ، وشرّفوه بالجنويات والطوارق (١) ، والتراس.
واتصلت الأمداد إليهم من البحر ، بالأقوات والرجال والأسلحة ، حتى كان ينقل إليهم البقول الرّطبة ، والخضراوات من جزيرة «قبرس» فتصبح عندهم في اليوم الثاني.
وسيّر السّلطان إلى الخليفة ، وإلى ملوك الاسلام ، يستنفر ويستصرخ ، واتّصلت الأخبار بوصول ملك الألمان إلى «القسطنطينية» ، في ستمائة ألف رجل ، منهم ثلاثمائة ألف مقاتل ، وثلاثمائة ألف سوقة ، وأتباع وصنّاع.
وحكي أنّه كان في عسكره خمسة وعشرون ألف عجلة تنقل الأسلحة والعلوفات ، فأسقط في أيدي المسلمين ، واستولى اليأس عليهم ، وتعلّقت آمالهم أنه ربّما مانعه من في طريقة من «الأوج» (٢) ومن قلج أرسلان (٣) ، فلم يتّفق شيء من ذلك ، بل سار ، وقطع البلاد ، حتى وصل إلى المصيصة.
وأرسل الله عليهم وبآء عظيما وحرّا عظيما ، ومجاعة أحوجتهم إلى نحر
__________________
(١) من أنواع ستائر الحماية والدفاع والترسة.
(٢) الأوج سكان المناطق الثغرية المتقدمة.
(٣) تبعا لابن شداد. المحاسن اليوسفية ص ٨٧ كان قلج أرسلان على وفاق ضمني مع ملك الألمان.