وعشرين مركبا فقاتلوا ذلك المركب الاسلامي يومين ، وثبت لهم مع قلّته ، فغرّق المسلمون من مراكب الفرنج ثلاثة.
ولما رأوا أنهم قد يئسوا من النجاة ، وأنّ الفرنج إن ظفروا بالمركب حصل لهم به قوة عظيمة ، وحصلوا في الأسر والذلّة ، عمد رجل حلبيّ حجّار من أهل «باب الأربعين» (١) ، يقال له «يعقوب» وكان مقدّم الجماعة إلى سفل المركب وأخذ قطّاعته ، وخسف المركب ، ودخل فيه الماء ، وغرق ، ولم يظفر الكفّار منه بشيء ، سوى رجلين تخطّفهما الفرنج من رأس المال ، واحتملوهما في مراكبهم ، فأخبروا بهذه الكائنة.
ولما وصل هذا الخبر إلى «عكا» قطع قلوب من بها ، وأسقط في أيديهم ، وهرب جماعة من الأمراء منها ، فألقوا أنفسهم في شخاتير صغار ، فأضعف ذلك قلوب من بقي بها ، وعظمت النكاية في سور المدينة ، وفشلوا ، وكاتبوا السلطان ، فأذن لهم في مصالحة الفرنج عن أنفسهم بالبلد.
فصالحوا الفرنج على تسليم البلد ، وجميع ما فيه من الآلات ، والعدد والأسلحة ، والمراكب ، وغير ذلك ، وعلى مائتي ألف دينار وألف وخمسمائة أسير ، مجاهيل الأحوال ، ومائة أسير معيّنين من جانبهم يختارونهم ، وصليب الصلبوت ، على أن يخرجوا سالمين بأنفسهم ، وذراريهم ، وأموالهم ، وقماشهم ، وضمنوا «للمركيس» عشرة آلاف دينار ، لأنّه كان
__________________
(١) انظر حوله بغية الطلب ص ٥٥ ـ ٥٦.