فأمر السّلطان بأن أوسق مركب عظيم من «بيروت» ، واستكثر فيه من السّلاح والأقوات والمقاتلة ، وأظهر عليه زيّ الفرنج وشعارهم ، وأخذ قوم من أسارى الفرنج الّذين في قبضة المسلمين ، فتركوا على ظاهر المركب ، وأنزل معهم في المركب جماعة من المسلمين ممّن يعرف لغة الفرنج ، وتزيّوا بزيّ الفرنج ، وحلقوا شعورهم ، وأخذوا معهم خنازير ، ورفعوا على قلع المركب صليبا. وأوهموا الفرنج أنهم واصلون إليهم نجدة من بلادهم ، وأقلعوا داخلين إلى مرسى «عكا» ، مسلّمين على الفرنج بلغتهم ، مبشّرين لهم بأنّ وراءهم من المدد ، من تشتد به منتهم ، وتعزّ به نصرتهم ، فلم يرتب المحاصرون بذلك ، وأفرجوا لهم عن المرسى (١).
فدخلوا إلى «عكا» ، وأوصلوا إلى المسلمين بها ، ما كان معهم من الميرة والسلاح والرجال ، وتمّت هذه الحيلة ، وكانت من الفرص التي لا ينبغي أن تعاود فركن المسلمون إليها ، وطمعوا في أخرى مثلها ، فجهّزوا مركبا عظيما من «بيروت» أيضا ، وأودعوه مثل ما كان قبله من الآلات والسلاح والأقوات بما مبلغ قيمته خمسة آلاف دينار ، وجعل فيه سبعمائة من مقاتله المسلمين.
وكان خبرهم قد وصل إلى الفرنج ، فأخذوا عليهم الأرصاد ، فمكثوا أياما يلججون في البحر ، ويقاربون عكّا ، فلا يجدون في الدّخول مطمعا ، حتى صادفتهم مراكب «الانكتير» في حال قدومه من بلاده ، في إحدى
__________________
(١) انظر المحاسن اليوسفية ص ٩٧.