ودام القتال عشرة أيام ، ولقي أهل قلعة شيزر بلاء عظيما ، ثمّ اقتصروا في القتال على المجانيق ، وأقاموا إلى يوم السّبت تاسع شهر رمضان.
وبلغهم أنّ قرا أرسلان بن داود بن سكمان بن أرتق عبر الفرات في جموع عظيمة تزيد عن خمسين ألفا من التّركمان وغيرهم ، فأحرقوا آلات الحصار ، ورحلوا عن شيزر ، وتركوا مجانيق عظاما رفعها أتابك إلى قلعة حلب بعد رحيلهم ، وساروا بعد أن هجموا ربض شيزر دفعات عدة ، ويخرجهم المسلمون منها (١).
فوصل صلاح الدّين من حماة يوم السّبت تاسع الشّهر ، وبلغه أنّ الفرنج هربوا من كفرطاب فسار إليها ، وملكها ، ووصل أتابك يوم الأحد عاشر الشّهر ، وسار إلى الجسر يوم الاثنين ، فوجد الفرنج قد هربوا منه نصف اللّيل ونزل أهله من «أبي قبيس» (٢) ، فمنعوهم.
ودخل الرّوم مضيق أفامية إلى أنطاكية ، وطلبها من الفرنج فلم يعطوه إيّاها ، فرحل عنها إلى بلاده ، وسيّر أتابك خلفهم سرّية من العسكر تتخطّفهم. هذا كلّه وأتابك لم يستحضر قرا أرسلان بن داود ، ولم يجتمع به ؛ بل بعث إليه يأمره بالعود إلى أبيه ، وأنّه مستغن عنه وانحاز عنهم فنزل
__________________
(١) لمزيد من المعلومات انظر ابن القلانسي ص ٤١٥ ـ ٤١٨. وليم الصوري ص ٦٩٥ ـ ٦٩٧.
(٢) ما تزال قلعة أبي قبيس قائمة ، وتبعد عن مدينة حماه مسافة ٥٤ كم.