المسلمين ، فلم يكن لهم بهم طاقة ، وأرسلوا إلى نور الدّين يعرّفونه الحال ، فرهقهم الفرنج بالحملة عليهم فلم يثبت المسلمون وعادوا منهزمين إلى نور الدّين والفرنج في ظهورهم ، فوصلوا جميعا إلى عسكر نور الدّين ، حتّى خالطهم الفرنج ، فقتلوا ، وأسروا ، قتلا عظيما وأسرا كبيرا.
وكان الدّوقس أشدّهم على المسلمين ، فلم يبق أصحابه على أحد وقصدوا خيمة نور الدّين ، وقد ركب فيها فرسه ، فنجا بنفسه ؛ ولسرعته ركب الفرس والشّبحة في رجله ، فنزل انسان كرديّ ، وفداه بنفسه ، فقطع الشّبحة ، ونجا نور الدّين ، وقتل الكرديّ ، فأحسن إلى مخلفيه ، ووقف عليهم الوقوف (١).
ووصل نور الدّين إلى بحيرة قدس (٢) ، وبينه وبين المعركة نحو أربعة فراسخ ؛ وتلاحق به من سلم من العسكر ، فقال له بعضهم : «المصلحة أن نسير ، فانّ الفرنج ربّما طمعوا وجاؤوا إلينا ، ونحن على هذه الحال» ؛ فوبّخه وأسكته ، وقال : «إذا كان معي ألف فارس التقيتهم ، وو الله لا أستظلّ بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الاسلام».
وأرسل إلى حلب ودمشق ، وأحضر الأموال والثّياب والخيام والسّلاح والخيل ، فأعطى الناس عوضا عمّا أخذ منهم بقولهم ، وأصبح عسكره كأن لم يهزم ولم ينكب ، وكلّ من قتل أعطى أولاده أقطاعه.
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٨٧ ـ ٨٨٨.
(٢) بحيرة قدس هي بحيرة قطينة حاليا قرب حمص.