فالمدار إذن في العذاب والنعيم والسجن والانطلاق على الإذن الإلهي وليس على القوانين البشرية ، عدلا وفضلا ، لا وجوبا عليه.
قال ابن القيم : الأحاديث والأخبار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور ، وسمع كلامه ، وأنس به ورد عليه ، قال : وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك». انتهى.
نقول : والوجه أن التوقيت خاص بفئة ، والانطلاق التام خاص بفئة أخرى ، فلا تعارض حينئذ ، ثم إن القبور هي أمكنة التلاقي عرفا من حيث أنها على الأغلب خزانة الهيكل البشري بعد الموت ، وهي كذلك مستقر الاعتبار ؛ فإذا هي درست أو لم يكن للميت قبر ، أو قام هناك مانع من الزيارة ، أمكن الاتصال بالروح في كل زمان ومكان.
وذلك أن مذهب مالك وجماعة من المحققين أن الأرواح (أي المطلقة) تسرح حيث شاءت ، أمّا غيرها فقد أثبت العلم الحديث وأيده العارفون بالله أن الأرواح جميعا تحس حركة الفكر في الإنسان إذا توجه لها بقلبه كما لو ناداها بلسانه سواء بسواء ، بلا قيد بالمكان ولا بالزمان ولا بالحركة ، وتلك من أخص مميزاته.
وهذا هو أبو العبّاس المرسي رضياللهعنه يقول : «لو غاب عني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المؤمنين».
وأولئك هم أئمتنا الصوفية ، لا يعتبرون الرجل عندهم في ديوان الرجال إلا إذا بلغ مرتبة الصلة بالنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في كل أمر يهمه من شأن دينه أو دنياه.