يتخذ مواقفه من خلال الانفعالات والمشاعر ، التي تنشأ عن إثارات يتعمدها الخصوم في كثير من الأحيان ، فإن الإنسان المسلم لا تزله الرياح العواصف ، ولا يفقد توازنه ، ولا يتخلى عن مبادئه ولا يحيد عن هدفه ليصبح أسير مشاعره الثائرة ، وانفعالاته الطاغية ويلبي نداءاتها ويستجيب لإثاراتها.
فنجد النبي «صلىاللهعليهوآله» يرسل بدية الرجلين ، ولا يذكّر بشيء مما فعله قومهما ، بل هو يظهر استياءه من قتل عمرو بن أمية لهما ، ويصرح بتصميمه على أن يديهما فور علمه بما جرى عليهما ، وقبل أن يرسل إليه عامر بطلب ديتهما.
وبذلك يتميز الإنسان المؤمن عن غيره ، يسير كل منهما في خطه الذي ينبغي له ، هذا دليله عقله وحكمته ، ورائده رضى ربه ، وسلامة دينه ، والفوز بالآخرة ، وذاك دليله هواه ورائده شهواته ، وهدفه الدنيا ، وزخرفها.
وفي مقابل ذلك نجد عامر بن الطفيل ينقاد لهواه فيقتل الرسول ، والرسل لا تقتل ، ويخفر الذمة ، ويستعمل طريقة الختر والغدر ، وكل ذلك شنيع ، وفظيع.
وهو كذلك ينقاد لهواه لأنه يرفض أن يكون موته بغدة كغدة البعير ، ويأنف أن يكون ذلك في بيت سلولية.
أما رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فهو ينسجم مع أخلاقه ، كما أنه ينطلق من مبادئه السامية في كل مواقفه ولا يخرجه أي شيء عن توازنه ومتانته ، لا يزعزع ثباته ، ولا تزله الرياح العواصف مهما كانت هوجاء ، وعاتية (١).
__________________
(١) راجع كتاب : محمد في المدينة ص ٤٩.