أما الأنصار ، فلم يكونوا كذلك ، بل كانوا فريقا آخر ، يحرم من اهتمامات الحكام ، ويستثنى من مختلف الامتيازات ، إلا حيث يحرج الحاكم ، ولا يجد من ذلك بدا ولا مناصا.
وقد روي عن الخليفة الثاني ، عمر بن الخطاب قوله :
«أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين : أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار ، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم : أن يقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم» (١).
فيلاحظ : الفرق النوعي فيما يطلبه ثاني الخلفاء ممن يلي الأمر بعده بالنسبة لهؤلاء ، وبالنسبة لأولئك.
وعلى هذا الأساس ، ومن منطلق هذه الفوارق ، جاء قول ابن أبي ليلى : الناس على ثلاثة منازل : المهاجرون ، والذين تبوؤوا الدار والإيمان ، والذين جاؤوا من بعدهم : فاجهد : ألا تخرج من هذه المنازل.
وقال بعضهم : كن شمسا ، فإن لم تستطع ، فكن قمرا فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا ؛ فإن لم تستطع فكن كوكبا صغيرا ، ومن جهة النور لا تنقطع.
ومعنى هذا : كن مهاجريا ، فإن قلت : لا أجد ، فكن أنصاريا ، فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم الخ .. (٢).
ولا ندري من أين جاءت هذه الطبقية ، وكيف قبل الناس هذا التمييز
__________________
(١) فتح القدير ج ٥ ص ٢٠٢ وصحيح البخاري ج ٣ ص ١٢٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٣٣٧ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ١٧٧٥ والدر المنثور ج ٦ ص ١٩٥ عن البخاري ، وابن أبي شيبة ، وابن مردويه.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ج ١٨ ص ٣١.