فأتاني يوما وقد كنا نتخوف جبلة بن الأيهم الغساني (١) ، فقال : ما دريت ما كان؟
فقلت : وما ذاك؟ لعله جبلة بن الأيهم الغساني ، تذكر.
قال : لا ، ولكنه أشد من ذلك ، إن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» صلى صلاة الصبح ، فلم يجلس كما كان يجلس ، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع ، وقد اعتزل في مشربته ، وقد ترك الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه ، فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون.
فقال : يا أيها الناس كما أنتم ، ثم أتى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو في مشربته ، قد جعلت له عجلة ، فرقى عليها ، فقال لغلام له ، أسود ، وكان يحجبه : استأذن لعمر بن الخطاب ، فاستأذن لي.
فدخلت ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» في مشربته ، فيها حصير وأهب معلقة ، وقد أفضى بجنبه إلى الحصير ، فأثر الحصير في جنبه ، وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفا ، فلما رأيته بكيت.
قال : ما يبكيك؟
قلت : يا رسول الله ، فارس والروم ، أحدهم يضطجع في الديباج والحرير.
فقال : إنهم عجلت لهم طيباتهم ، والآخرة لنا.
ثم قلت : يا رسول الله ، ما شأنك؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض ، فعن خبر أتاك ، فقال : اعتزلهن؟
فقال : لا ، ولكن كان بيني وبين أزواجي شيء ، فأحببت ألا أدخل عليهن
__________________
(١) أي نتخوف غزو الغساسنة لنا.