وربما يكون الأمر من قبيل الدواء الذي يشفي المريض ، لكن النفس الأمارة حين تتلاءم مع بعض حالات ذلك الدواء ، كما لو كان له طعم العسل مثلا ، تخرج فيه عن المقدار المفيد ، وتتناوله على غير الوصف الذي حدّد له ، فيفقد تأثيره من أجل ذلك ، أو يصبح مضرا ، وربما يؤدي إلى الهلاك في بعض الأحيان ..
والإمارة والسلطان هي من الأمور التي تتلاءم في بعض جوانبها مع نوازع النفس الأمارة ، فتندفع إليها ، ولا تهتم بواقعها السيء ، المتمثل في كونها ظلما وعدوانا على الناس ، واغتصابا لحق الغير .. بل هي حين تفقد شرعيتها تمرد على الله ، وتعد على حاكميته المطلقة ، وتجاوز لحدوده ..
ولأجل ذلك نلاحظ : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد بدأ خطبته بالإستعاذة بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، التي هي الأكثر فعالية ، والأشد تأثيرا في الإندفاع إلى التعدي على حدود الله ، وغصب الحاكمية من صاحبها الشرعي ، والتعدي على حقوق الناس وظلمهم.
لا هادي لمن أضل الله :
ثم إنه «صلىاللهعليهوآله» بعد أن استعاذ بالله من شرور الأنفس ، وسيئات الأعمال ، لكي لا يستسلم الناس لدواعي الغفلة ، عرفهم أن الله الذي يعيذهم هو المالك الحقيقي للتصرف ، وأن لجوءهم إليه ، إذا كانوا صادقين فيه ، سوف يجعلهم في حصن حصين ، وسيعني هذا اللجوء أنهم يستحقون أن يعود عليهم بالفضل ، ويفتح أمامهم أبواب الرحمة.
ولن تستطيع أية قوة أن توصد تلك الأبواب ، بل لا بد أن يبقوا في ذلك