إلا أن يقال : لا منافاة بينهما ، فلعله كان يأتي من الحبشة ، فتأخذه العرب ، فتداوي به مرضاها.
ثانيا : لقد صرحت رواية المعتزلي ، والزمخشري ، وابن الأثير (١) : بأن الرسول «صلىاللهعليهوآله» أراد أن يلدهم جميعا عقوبة لهم .. وهذا «فيه نظر ، لأن الجميع لم يتعاطوا ذلك» (٢) فلماذا يعاقب غير الجناة؟! ..
ولو سلم أنهم جميعا استحقوا العقوبة لتركهم الإنكار على الفاعلين ، ولا سيما مع نهيه «صلىاللهعليهوآله» لهم عن ذلك ..
فيرد عليه : أنهم إذا كانوا قد ظنوا أنه «صلىاللهعليهوآله» نهاهم عن ذلك كراهية المريض للدواء كما يدّعون ، فهم معذورون في ذلك لأنهم قد انساقوا مع تأويلهم وفهمهم ..
هذا كله ، عدا عن أن بعض الروايات تنكر أن يكون «صلىاللهعليهوآله» قد نهاهم عن ذلك ، بل تصرح : بأنه لم يعرف بالأمر إلا بعد إفاقته من إغمائه ..
ولو سلم .. فإنهم في فعلهم ذلك كانوا يحسبون أنهم يحسنون له «صلىاللهعليهوآله» ، ويبّرونه ، ويحافظون عليه ، فهل هم مع هذا يستحقون عقابا أو تأديبا كما يزعمه العسقلاني؟! (٣).
وهل ذلك منه «صلىاللهعليهوآله» لهم إلا كجزاء سنمار؟! ..
ثم أليس يقولون : إنه «صلىاللهعليهوآله» لم يكن ينتقم لنفسه من
__________________
(١) الفائق ج ٣ ص ٣١٣ ، والنهاية ج ٤ ص ٢٤٥ ، وفيهما : فعل ذلك عقوبة لهم ، لأنهم لدوه بغير إذنه. وراجع المصادر في الهوامش السابقة.
(٢) فتح الباري ج ٨ ص ١١٢.
(٣) نفس المصدر السابق.