فخرج سريعا ، فوطئ بلادا هادية ، لم يرجعوا عن الإسلام ، جهينة وغيرها من قضاعة. حتى نزل وادي القرى ، فسار إلى أبنى في عشرين ليلة.
فقدم له عين له من بني عذرة يدعى حريثا ، فانتهى إلى أبنى ، ثم عاد فلقي أسامة على ليلتين من أبنى ، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم ، وحثهم على السير قبل اجتماعهم.
فسار إلى أبنى وعبأ أصحابه ، ثم شن عليهم الغارة ، فقتل من أشرف له ، وسبى من قدر عليهم ، وحرق بالنار منازلهم ، وحرثهم ، ونخلهم ، فصارت أعاصير من الدواخين ، وأجال الخيل في عرصاتهم ، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة على فرس أبيه سبحة ، وقتل قاتل أبيه في الغارة ، وأسهم للفرس سهمين ، وللفارس سهما ، وأخذ لنفسه مثل ذلك.
فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذ السير ، فورد وادي القرى في تسع ليال ، ثم بعث بشيرا إلى المدينة بسلامتهم. ثم قصد بعد في السير ، فسار إلى المدينة ، ستا حتى رجع إلى المدينة ولم يصب أحد من المسلمين.
وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا بسلامتهم ، ودخل على فرس أبيه سبحة ، واللواء أمامه ، يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى إلى باب المسجد ، فدخل فصلى ركعتين. ثم انصرف إلى بيته.
وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامة ، فبعث رابطة يكونون بالبلقاء ، فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر (١).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٥٠ وراجع : عمدة القاري ج ١٨ ص ٧٧ والطبقات ـ