والتسبيح يرجع إلىٰ الحمد ، والحمد يرجع إلىٰ التسبيح ، كقوله تعالىٰ : ( إِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) (١) يعني : يسبّح بتسبيحه تعالىٰ لنفسه.
ثم إنّ السائل نزّهه تعالىٰ بعد التشبيه ، كأنّه أشار إلىٰ طريقة الموحّدين ، وهي الجمع بين صفتي التشبيه والتنزيه ، كما في قوله تعالىٰ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (٢).
وفي هذا الباب أحاديث كثيرة جمعوا عليهمالسلام فيها بين صفتي التشبيه والتنزيه :
منها : ما روي عن الإمام الهمام موسىٰ بن جعفر عليهماالسلام ، أنّه قال : ( إنّ الله تبارك وتعالىٰ لم يزل بلا زمان ولا مكان ، وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، ولا يحل في مكان ، ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) ، ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال ) (٣).
ومنها : ما قال أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطبه : ( مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ) (٤).
وقال في البعض الآخر : ( لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات ، ولا بالجوارح والأدوات ، لا يقال له : متىٰ ، ولا يضرب له أمد بحتىٰ ، لم يقرب من الأشياء بالتصاق ، ولم يبعد عنها بافتراق ، تعالىٰ عما ينتحله المحددون من صفات الأقدار ونهايات الأقطار ، وتأثل المساكن وتمكن الأماكن ، فالحد لخلقه مضروب ، وإلىٰ غيره منسوب ) (٥).
إلىٰ غير ذلك ممّا جمعوا عليهمالسلام التشبيه والتنزيه في كلماتهم ، من الخطب الجليلة والأدعية الرفيعة الجميلة ، وليس لهذا المختصر وسع أكثر ممّا ذكر.
_____________________________
(١) « الإسراء » الآية : ٤٤. |
(٢) « الشورىٰ » الآية : ١١. |
(٣) « بحار الأنوار » ج ٣ ، ص ٣٢٧ ، ح ٢٧. |
(٤) « نهج البلاغة » الخطبة : ١. |
(٥) « نهج البلاغة » الخطبة : ٣٠٦.