وربّما كانت الحاجة في شيء واحد ذات مراتب متفاوته في الشدّة والضعف ، كما إذا احتاج أحد في الليل إلىٰ سراج أنار بيته المظلم ولم يمكنه ، ثم يخطر بباله أن ينظر إلىٰ كتاب في مسألة ، فحينئذٍ يؤكد احتياجه إلیٰ السراج ، ثم يدخل سارق في بيته للسرقة ، فاشتدت حاجته إلىٰ السراج حينئذٍ ، ثم يقصد السارق قتل صاحب البيت ، فالحاجة إلىٰ السراج حينئذٍ بلغت إلىٰ النهاية ، ولا يتصوّر فوقها حاجة فيه.
( وَأَنْزَلَ بِكَ عِنْدَ الشدائِدِ حاجَتَهُ )
( الشدائد ) : جمع « شديد » ، وهو الأمر الصعب. وتقديم الظرف لقصد الحصر ، أي أنزل بك لا بغيرك ، ولمراعاة السجع.
والجملة معطوفة علىٰ ما قبلها ، يعني : ( أسألك سؤال من اشتدت فاقته ، وسؤال مَن أنزل بك عند الشدائد حاجته ) ، وذلك كمن حان أن تغرق سفينته وألقتها السوافن العاصفة في التهلكة ، فكيف حال السفان والربّان حينئذٍ ؟ فلابدّ أن يلتجئ بجميع مشاعره وقواه إلیٰ الله تعالیٰ ، ويتضرّع إليه حتیٰ ينجيه وسفينته من الغرق ، وإذن لا يلتفت إلىٰ نفسه ، فضلاً عن الالتفات إلىٰ الغير.
أو كمن ظهرت أمارات الموت عليه ، وكان في حالة الاحتضار والهلاكة ، فكيف حاله مع الله تعالىٰ ؟ وإلىٰ من يلتجئ هنالك ؟ ومن هو يكشف السوء عنه غيره تعالىٰ ؟
فالعبد المؤمن الذي استقرَّ بين الخوف والرجاء ينبغي أن يكون في جميع الأوقات ملتجئاً ومتضرّعاً إليه تعالىٰ ، كمن اشتدت فاقته ، وأنزل به عند الشدائد حاجته.
( وَعَظُمَ فيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ )
معطوفة علىٰ ما قبلها ، كما مرّ.