ومسألاته ليس مقصوده هو التكدّي والسؤال فقط ، بل قصده الحقيقي هو طول المكالمة والمخاطبة مع الحبيب.
وفيه قد يلتفت إلىٰ نفسه ، فما يرىٰ إلّا الجرائم والآثام ، فيطلب منه تعالىٰ المغفرة والرحمة.
وقد يلتفت ويستغرق في أوصافه تعالىٰ من الجمال والجلال واللطف والقهر ، فيصفه ويعظّمه علىٰ حسب ما يمكنه من ذلك ، وعلىٰ قدر تجلّيه تعالىٰ عليه ، وإذا حضرته غاية الاستغراق والهيمان لا يقدر علىٰ التكلّم والمخاطبة ، فكلَّ لسانه وارتعش أركانه ، وتزلزل فرائصه وعظامه.
ثمّ « السلطان » قد مرّ أنّه « فُعلان » ، يُذكّر ويؤنث ، وأنّه بمعنىٰ الحجّة والبرهان ، والقوّة والغلبة. فهو تعالىٰ عظيم حجّته وبرهانه ، وشديدة قوّته وغلبته. وقد عرفت معاني الكلّ ، تأويلاتها وتفسيراتها.
( وَعَلَا مَكَانُكَ )
أي ارتفع ، يقال : فلان مُكّن عند السلطان ، أي عظم وارتفع عنده. ومكانه تعالىٰ عرشه بجميع إطلاقاته ومعانيه ، إذ قد مرّ أنَّ للعرش إطلاقاتٍ أربعاً : علمه المحيط ، وفيضه المقدّس ، والعقل الأوّل ، والفلك الأقصىٰ.
وفي الأخبار : ( أنّ قلب المؤمن عرش الرحمن ) (١) ، كما قال المولوي :
گفت بيغمبر که حق فرمود است |
|
من نگنجم هيچ در بالا و پست |
در زمبن و آسمان و عرش نيز |
|
اين يقين دان من نگنجم ای عزيز |
در دل مؤمن بگنجيم همچو ضيف |
|
بی ز چون و بی چگونه بی ز کيف |
فالمؤمن الحقيقي الذي ورد في حقّه أنّه أعزّ من الكبريت الأحمر ، إذا وسع قلبه
_____________________________
(١) « بحار الأنوار » ج ٥٥ ، ص ٣٩.