فأخذها مني بعض الفقراء وضرب بها الأرض فتفتتت وأنا انظر إليها ، فقلت نعم يا سيدي لم تطلعني على سبب مجاري الأرزاق إلا بعد حلق رأسي ولحيتي.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : سمعت أبا الحسن بن مقسم وذكر أبا جعفر بن الكرنبي وهو من صوفية البغداديين ، فرفع منه جدا وقال : فاق أقرانه في الاجتهاد وكثرة الأوراد ، تأدب أكثر نساك بغداد بآدابه وتوارثوا منه شريف الآداب وحميد الأخلاق.
قال لنا أبو نعيم : وحدثني ابن مقسم عن جعفر الخلدي قال : ذهب الجنيد إليه يوما بصرة دراهم عرضها عليه ، فأبى ابن الكرنبي أن يأخذها منه ، وذكر غناه عنها. فقال له الجنيد : إن وجدت غنى عنها ففي أخذها سرور رجل مسلم فأخذها.
قال أبو نعيم : وكان ابن الكرنبي من تلامذة أبي عبد الله البراثي.
أخبرنا عبد الكريم بن هوازن القشيري قال : سمعت محمّد بن الحسين السّلميّ يقول : سمعت أبا بكر الرّازيّ يقول : سمعت الجريري يقول : سمعت ابن الكرنبي يقول : إن الفقير الصّادق ليحذر من الغنى فيفسد عليه فقره كما أن الغنى يحذر من الفقر حذرا أن يدخل عليه فيفسد غناه عليه.
أخبرنا الأزهري ، حدثنا محمّد بن الحسن النقاش ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمّد بن جعفر بن أحمد البجليّ المقري قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمّد بن بشار يحدث قال : سمعت ابن الكرنبي يقول : فررت في أيام المحنة بديني. قال : وكان كبير اللحية ، وكان عليه جبة ثقيلة ، وكان إذا لقيه من يخاف منه وضع لحيته في فمه وحرك رأسه فيقال هو مجنون ، فخرج إلى عبادان. قال : فرأيت رجلا معه غلمان وهو من أبناء الدنيا ففزعت منه وفزع مني ، قال ابن بشار فقلت له : هو فزع منك من منظرك ، وأنت لم فزعت منه؟ قال : خشيت أن يمتحنني ، قال : فإذا قوم من بغداد من قطيعة الرّبيع ، وإذا هو فرّ بدينه ، فوانسته وقلت له في قول الله تعالى (لَنْ تَرانِي) قال : بعين فانية ، في جسد فان ، في دار فانية ، ولكن تراني بعين باقية ، في جسد باق ، في دار باقية. يرى الباقي الباقي. قال : فقال ابن الكرنبي : لو لم يكن محنة إلا أن أخرج أسمع هذا لما كان كثيرا.