وهذا مما ثبت اللغة بأشكالها السامية المعروفة من كلدانية وآثورية وعبرية فأدى إلى أن يعرف كل فريق بلغته ... فالعربية نالت تطوراتها ولم تثبت بشكلها المعروف بان اندثرت منها لغات وتولدت ألفاظ جديدة ... ولم تستقر في اللغة الفصحى إلا بظهور الإسلامية فسجلت هذا الوضع بسبب القرآن الكريم ... وأما العامية المشتقة منها واللغات الأخرى أو اللهجات المعاصرة لها في سائر الأنحاء فقد عرض لها بعض التبدل مما أبعدها عن الفصحى ، أو حافظت على وضعها الأصلي وأثرت تأثيرها من جراء الاختلاط مع أهل الفصحى بالرغم من المباينة أو المخالفة في حينها التي أوجدت المتضادات ، والمشتركان ، أو المترادفات ... فاللغات الشائعة آنئذ قد نالت شيوعا في الأنحاء فاكتسبت اللغة العامية أو الشائعة أوضاعها المشاهدة في هذه الأيام ... والظواهر أمثال ذلك من أكبر الأدلة على التحولات التاريخية ...
أما القول بأن أصل العرب من الحبشة فهذا مما لا يعوّل عليه ولم تؤيده البراهين الصحيحة وإنما منشأه الهجرة إلى مصر وتلك الأطراف ثم الاندماج في الأهلين وتغلب اللغة العربية بتبديل ... فحصلوا على شكل مختلط في لغتهم دعا القائلين إلى الاقتناع بهذا الرأي فقيل ان الحبشة أصل العربية وان اصل العرب من هؤلاء. فالخطأ جاء من هذه المشابهة أو المقاربة ... مما لا يحقق أصل العنصرية واشتقاقها ، فالتمسك باللغة لاثبات العنصرية يؤدي إلى أغلاط كبرى مثل هذه ... والتشكلات البدنية وأوصاف العرب الأساسية تنافي هذه الدعوة ...
ولذا يقال عن الحوادث التاريخية المشاهدة في أقدم العصور المؤكدة ان سكان العراق كانوا أقواما متخالفين ، متباعدين عن الأقوام السامية ... فهم السمريون والكوشيون والأكديون فجاء الكلدانيون والأثوريون فأزاحوهم ... وحينئذ شاعت لغتهم وتدونت في أقدم أزمانها وأصلهم من جزيرة العرب ولا نجد في اللغات المجاورة في أطرافهم من تصلح للمقابلة ، والمقاربة سوى العربية .. فهم عرب ويعدّ تثبيت لغتهم أول تدوين