وفي الوقت نفسه نرى البدوي يثأر فلا ينسى ما أصابه من حيف ، أو ناله من ظلم ... ولهم أشعار كثيرة في الثأر والترة ، مدوّنة في غالب كتب الأدب مثل ديوان الحماسة لأبي تمام ، وللبحتري وسائر الكتب الأدبية ... وهذه حالتهم حتى اليوم. وعندهم المحالف ، أو الجار لا تنتهك حقوقه بوجه وانما هو محل رعاية ، وكذا النزيل فان رعايته اكبر ، واحترامه أزيد.
وهم في كافة أحوالهم يتجنبون الحرب ووقائعه المؤلمة بكل ما يستطيعون من قدرة وقوة ، وعقلاء القوم دائما يكبحون شر المتهورين الجامحين ، ويحذرون الفتن ... ومع هذا اذا وقع العداء وتمكن لا تكون الحرب حاسمة ، يتفقون مع المجاورين ، ومن لهم صلة قربى ... بل يجري الغزو بين آونة وأخرى ، وينتهب الواحد ما تصل اليه يده ... وفي الغالب لا يهاجمون على وجه نهار ، ولا دون مبالاة ، وانما يأتون على حين غرة وبنتيجة حساب للأمر وافتكار فيه ؛ والغالب ان القتل في الغزو غير مقصود ، وانما المقصود المال ، وقد يكتفون بالتهويل ... وهكذا ...!
وفي هذه الأيام مات الغزو تقريبا. والفضل في منعه راجع إلى وسائط النقل الحاضرة ، وسهولة استخدامها ، وتكاتف الحكومات المجاورة لقطع دابره ، وتفوق الأسلحة والعدد التي لا تستطيع القبائل مقاومتها كالمدرعات والرشاشات ...
والملحوظ ان الغزو اذا قام من البين ، وان (البدو) حرموا منه ، ومنعوا وجب ان نساعدهم في مراعيهم ، وفي تجولاتهم ، وتسهيل مهمتهم ليكونوا مثمرين لا أن يكونوا عاطلين ..!
وهذا كل ما يتطلبه البدوي ، يريد ان يسير على البسيطة بسكينة وينتفع من المراعي ... وفي هذا ترفيه لحالته وتحسين لها ... وهو أول عمل يجب مراعاته وتقديمه على كل عمل ، ثم تراعى طرق اصلاحه الأخرى ...