صوتا واحدا ، وتأسف الناس عليه حتى الفرنج ، لما كان عليه من صدق ووفائه إذا عاهد. وقال ابن شداد : وجد الناس عليه شبها بما يجدونه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه ، لأنه كان محببا يحبه البر والفاجر والمسلم والكافر ، وشرع ابنه في بناء تربة له ومدرسة للشافعية بالقرب من مسجد القدم لوصيته بذلك قديما ، فلم يكمل بناؤها ولم يتم ، وذلك حين قدم ولده العزيز ، وكان محاصرا لأخيه الأفضل ، فاشترى له الأفضل دارا شمالي الكلاسة في وراء ما زاده القاضي الفاضل في الكلاسة ، فجعلها تربة ، وبنى فيها قبة شمالي الجامع وهي التي شباكها القبلي أمام الكلاسة ، ونقله من القلعة اليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، وصلى عليه تحت النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرشي بن الزكي عن اذن الأفضل له ، ودخل في لحده ولده الأفضل فدفنه بنفسه وهو سلطان الشام ، ويقال إنه دفن معه سيفه الذي كان يحضر به الجهاد ، وذلك عن أمر القاضي الفاضل تفاؤلا بأن يكون يوم القيامة معه يتوكأ عليه حتى يدخل الجنة لما أنعم الله عليه تعالى من كسر الأعداء ونصر الأولياء ، ثم عمل عزاه في الجامع الأموي ثلاثة أيام بحضرة الخاص والعام رحمهالله تعالى. قال العماد الكاتب وغيره : لم يترك رحمهالله تعالى في خزانته من الذهب سوى دينار واحد صوري وستة وثلاثين درهما. قلت : وفي الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة رحمهالله تعالى ، أن السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمهالله تعالى لم يخلف في خزانته إلا سبعة وأربعين درهما ، ولم يترك دارا ولا عقارا ، ولا مزرعة ولا سقفا ، ولا شيئا من أنواع الأملاك ، هذا وله من الأولاد سبعة عشر ذكرا وابنة واحدة ، وتوفي له في بعض حياته غيرهم والذين تأخروا بعده ستة عشر ذكرا أكبرهم الملك الأفضل نور الدين علي ، ولد بمصر سنة خمس وستين ليلة عيد الفطر ، ثم العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان ، ولد بمصر أيضا في جمادى الأولى سنة سبع وستين ، ثم الظافر مظفر الدين أبو العباس الخضر ، ولد بمصر أيضا في نصف شعبان سنة ثمان وستين ، وهو شقيق الأفضل ، ثم الظاهر غياث الدين أبو منصور غازي ولد بمصر أيضا في نصف شهر رمضان