غيلان بالاختيار استدعاه وقال له : ما تقول؟
قال : أقول ما قال الله.
قال : وما قال الله؟
قال : إنّ الله يقول : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ...) حتى انتهى إلى قوله سبحانه : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).
قال له عمر بن عبد العزيز : اقرأ.
فلما بلغ إلى قوله سبحانه : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) ، قال : يا ابن الأتانة ، تأخذ بالفرع وتدع الأصل!! (١).
فهذه النصوص التاريخية تفيد أولا : إن السلطة الأموية من لدن عصر معاوية إلى آخر حكّامها كانت تروّج فكرة الجبر ، وتسوس من يقول بالاختيار بسياسة الإرهاب والقمع ، وتنكل بهم أشدّ التنكيل. والغاية من إشاعة هذه الفكرة معلومة فإنها تخلق لهم المبررات لتصرفاتهم الوحشية وانهماكهم في الملذات والشهوات واستئثارهم بالفيء ، إلى غير ذلك من جرائم الأعمال ومساوئها.
وثانيا : إنّ معبد الجهني في العراق وتلميذه غيلان الدمشقي في الشام كانا يتبنيان فكرة الاختيار ونفي الجبر لا فكرة نفي القدر والقضاء الواردين في القرآن الكريم. والشاهد على ذلك أنّ معبد الجهني دخل على الحسن البصري وقال له : يا أبا سعيد إنّ هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قضاء الله وقدره. فقال له الحسن البصري : كذب أعداء الله. انتهى. ومن المعلوم أنّ الحسن البصري لم يكن ينكر ما جاء في الكتاب العزيز من أنّ : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ* وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٢). وغير ذلك من الآيات التي مضت
__________________
(١) لاحظ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة ، ص ١٧٤.
(٢) سورة القمر : الآيتان ٥٢ و ٥٣.