تفسيره والشيخ عبده في رسالة التوحيد (١) ، فهما من قادة هذا المذاهب بين أهل السنة ، ولكن غيرهما بين جبري لا يرى للإنسان حرية واختيارا ، وتفويضي وقع في حبال الشرك. نعم ، قد انقرضت الطائفة الثانية بانقراض المعتزلة بالسيوف التي سلطت عليهم فلم يبق منهم ولا من آثارهم وكتبهم إلّا شيئا لا يذكر.
وأمّا حقيقة هذا المذهب فتتعين في ظل أمور : (٢).
الأول ـ الإمكان في الماهية غير الإمكان في الوجود
إنّ الإمكان تارة يقع وصفا للماهية وأخرى وصفا للوجود ، والمقصود منه في الأول تساوي ماهية الشيء بالنسبة إلى الوجود والعدم ، بمعنى أنها واقعة في مركز الدائرة ، فلا تخرج عنه إلى أحد الطرفين ، إلّا بعامل يخرجها عن حالة التساوي ويضفي عليها لزوم الاتصاف بأحدهما ، وهذا واضح.
وأمّا إذا وقعت وصفا للوجود بما هو وجود الذي يعبر عنه بالوجود الإمكاني ويعدّ فعلا للواجب ، فليس معنى إمكانه تساوي نسبته إلى الوجود والعدم ، لأن ثبوت الشيء لنفسه ضروري ، وسلبه عنه ممتنع فلا معنى لأن يقال إنّ نسبة الوجود إلى الوجود الإمكاني تساوي نسبته إلى العدم ، بل نسبة الوجود إليه ضرورية ونسبة العدم إليه ممتنعة.
بل معنى توصيف الوجود بالإمكان عبارة عن كونه قائما بالعلّة بجميع شئونه وخصوصياته.
فكلما وصف الوجود بما هو وجود عار عن الماهية ، وصادر عن العلّة الواجبة ، يراد منه التعلّق والقيام ، والصلة والارتباط لا التساوي. فافهم ذلك.
__________________
(١) سيوافيك نصوصهما في مطاف البحث.
(٢) وقد أوعزنا إليها في الأبحاث السابقة عند الردّ على نظرية الطائفتين من الأشاعرة والمفوّضة فلاحظ.